للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل يكون مدار التسليم هو تصديق صاحب الرسالة فيما يرويه من ربّه = أي أن مدار التسليم هو الإيمان) (١) .

وليس من حظّ هذه المباحث بيان المفارقة العجيبة في هذا التفريق الذي انشقّ به زكي نجيب محمود عن أصول مدرسته التي ينتمي إليها، والتي تطرد موقفها من "الميتافيزيقيا" دون تفريقٍ بين ما هو ديني وبين ما هو فلّسفي؛ كما هو مرسوم في بيان "حلقة فيينا" (٢) = فليس من حظ هذه المباحث التعرُّض لذلك (٣)، ولا الكشف عن الرؤيةِ الفلسفيَّة التي ينطلق منها الدكتور "زكي نجيب" والتي لا تعترف بإمكان معرفةٍ قبْليّةٍ؛ بل أساس المعرفة لديها هو ما كان نابعًا عن مُعطًى حسّي.

وإِنَّما المقصود من مناقشة دعوى كُلٍّ من "زكي نجيب محمود"، و "عادل ضاهر" في: أن التسليم بالعقائد الدينية إيمانيُّ لا برهانيُّ.

والحقيقة: أنّ ما ذهبا إليه؛ من انتفاء السّند العقلي الكاشف عن وجود حقائق غيبية = لا يعدو أن يكون مجرّد دعوى؛ لأن النفي ليس بعلم، والعجز عن الاستدلال العقلي على تحقّق معرفة تتخطّى الواقع المادي؛ لا يلزم منه امتناع الاستدلال مطلقًا في واقع الأمر، ولا سلْب معقولية هذه المعرفة المتجاوِزة للحسّ البشري. ذلك لأن هذه المعرفة المتخطية للحواس ليست قسيمة للمعرفة العقلية؛ لتحقّق إمكان الاستدلال العقلي عليها؛ إمّا بتوسّط الأثر المحسوس الذي يحكم العقل بضرورة التلازم بين هذا الأثر ومؤثره؛ وَفْقًا لقانون السّببيَّة، وإمّا بطريقة غير


(١) "المصدر السابق" (و) .
(٢) انظر نصّ هذا البيان مُلحقًا بكتاب " رودلف كارناب ونهاية الوضعية المنطقية" (٢٦٩ - ٢٧٧) .
(٣) انظر في بيان هذه المفارقة: "الوضعية المنطقية في فكر زكي نجيب محمود" لعبد الله الدعجاني (٢/ ٤٧٦ - وما بعدها) .

<<  <   >  >>