٦٩٠٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُعَافَى، نَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْوَقَّارُ قَالَ: قُرِئَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ الثَّوْرِيُّ: قَالَ مُجَالِدٌ: قَالَ أَبُو الْوَدَّاكِ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ أَخِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا رَبِّ أَرِنِي الَّذِي كُنْتَ أَرَيْتَنِي فِي السَّفِينَةِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا مُوسَى، ⦗٧٩⦘ إِنَّكَ سَتَرَاهُ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى أَتَاهُ الْخَضِرُ، وَهُوَ طَيِّبُ الرِّيحِ، حُسْنُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، إِنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ. قَالَ مُوسَى: هُوَ السَّلَامُ، وَمِنْهُ السَّلَامُ، وَإِلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي لَا أُحْصِي نِعَمَهُ، وَلَا أَقْدِرُ عَلَى شُكْرِهِ إِلَّا بِمَعُونَتِهِ. ثُمَّ قَالَ مُوسَى: أُرِيدُ أَنْ تُوصِينِي بِوَصِيَّةٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا بَعْدَكَ. فَقَالَ الْخَضِرُ: يَا طَالِبَ الْعِلْمِ، إِنَّ الْقَائِلَ أَقَلَّ مَلَالَةً مِنَ الْمُسْتَمِعِ، فَلَا تُمِلَّ جُلَسَاءَكَ إِذَا حَدَّثْتَهُمْ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَلْبَكَ وِعَاءٌ، فَانْظُرْ مَاذَا تَحْشُو بِهِ وِعَاءَكَ، واعْزِفْ عَنِ الدُّنْيَا، وانْبِذْهَا وَرَاءَكَ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لَكَ بِدَارٍ، وَلَا لَكَ فِيهَا مَحَلُّ قَرَارٍ، وَإِنَّهَا جُعِلَتْ بُلْغَةً لِلْعِبَادِ، ولِيَتَزَوَّدُوا مِنْهَا لِلْمَعَادِ. وَيَا مُوسَى، وَطِّنْ نَفْسَكَ عَلَى الصَّبْرِ تُلَقَّى الْحِكَمَ، وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ التَّقْوَى تَنَلِ الْعِلْمَ، وَرَضِّ نَفْسَكَ عَلَى الصَّبْرِ تَخْلصْ مِنَ الْإِثْمِ. يَا مُوسَى، تَفَرَّغْ لِلْعِلْمِ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُهُ، فَإِنَّمَا الْعِلْمُ لِمَنْ يَفْرَغُ لَهُ، وَلَا تَكُونَنَّ مِكْثَارًا بِالْمَنْطِقِ مِهْدَارًا، إِنَّ كَثْرَةَ الْمَنْطِقِ تُشِينُ الْعُلَمَاءَ، وَتُبْدِي مَسَاوِئَ السُّخَفَاءِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِذِي اقْتِصَادٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ التَّوْفِيقِ وَالسَّدَادِ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْجُهَّالِ، واحْلُمْ عَنِ السُّفَهَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ فَضْلُ الْحُكَمَاءِ، وزَيْنُ الْعُلَمَاءِ، إِذَا شَتَمَكَ الْجَاهِلُ فَاسْكُتْ عَنْهُ سِلْمًا، وجانِبْهُ حَزْمًا، فَإِنَّ مَا بَقِيَ مِنْ جَهِلِهِ عَلَيْكَ، وَشَتَمِهِ إِيَّاكَ أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ. يَا ابْنَ عِمْرَانَ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ مَا أُوتِيتَ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا، فَإِنَّ الِانْدِلَاثَ، وَالتَّعَسُّفَ مِنَ الِاقْتِحَامِ وَالتَّكَلُّفِ، يَا ابْنَ عِمْرَانَ، لَا تَفْتَحَنَّ بَابًا لَا تَدْرِي مَا غَلْقُهُ، وَلَا تُغْلِقَنَّ بَابًا لَا تَدْرِي مَا فَتْحُهُ. يَا ابْنَ عِمْرَانَ، مَنْ لَا تَنْتَهِي مِنَ الدُّنْيَا نَهْمَتُهُ، وَلَا تَنْقَضِي مِنْهَا رَغْبَتُهُ، كَيْفَ يَكُونُ عَابِدًا؟ مَنْ يَحْقِرُ حَالَهُ، ويَتَّهِمُ اللَّهَ بِمَا قَضَى لَهُ، كَيْفَ يَكُونُ زَاهِدًا؟ هَلْ يَكُفَّ عَنِ الشَّهَوَاتِ مَنْ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ هَوَاهُ؟ ويَنْفَعُهَ طَلَبُ الْعِلْمِ، وَالْجَهْلُ قَدْ حَوَاهُ؟ لَأَنَّ سَفَرَهُ إِلَى آخِرَتِهِ وَهُوَ مُقْبِلٌ عَلَى دُنْيَاهُ. ⦗٨٠⦘ يَا مُوسَى، تَعَلَّمْ مَا تَعْمَلُ لِتَعْمَلَ بِهِ، وَلَا تَعْلَمْهُ لِيُتَحَدَّثَ بِهِ، فَيَكُونُ عَلَيْكَ بورُهُ، وَيَكُونُ لِغَيْرِكَ نُورُهُ. يَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، اجْعَلِ الزُّهْدَ وَالتَّقْوَى لِبَاسَكَ، وَالْعِلْمَ وَالذِّكْرَ كَلَامَكَ، واسْتَكْثِرْ مِنَ الْحَسَنَاتِ، فَإِنَّكَ مُصِيبُ السَّيِّئَاتِ، وَزَعْزِعْ بِالْخَوْفِ قَلْبَكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُرْضِي رَبَّكَ، وَاعْمَلْ خَيْرًا، فَإِنَّكَ لَا بُدَّ عَامِلٌ سِوَاهُ، قَدْ وُعِظْتَ إِنْ حَفِظْتَ، فَتَوَلَّى الْخَضِرُ، وَبَقِيَ مُوسَى حَزِينًا مَكْرُوبًا»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute