للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (١٣٨)} [البقرة: ١٣٨]:

هذه الآية متصلةٌ - لفظها ومعناها - بقوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ … } الآية، فهي داخلةٌ في مقول القول.

وقوله: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ … } الآية: معترض. والصِّبغةُ: اسمُ هيئةٍ من الصَّبغ بالفتح، وهو تلوينُ الشيء ببعض الألوان، والصِّبغُ بالكسر: ما يصبغ به (١)، وصِبغةُ الله: دينُ الله، وقيل: فطرةُ الله (٢)، وأصلها التوحيد، وتدخل فيها خصالُ الفطرة، والقولان معناهما واحدٌ؛ فصبغةُ الله: دينُ الإسلام، ودينُ الله هو دينُ الإسلام بما فيه من الاعتقادات والأخلاق والعبادات، وسُمِّي الدينُ صِبغة؛ لأنَّ المسلم بتخلُّقه بأخلاقه وعمله بشرائعه وآدابه يكون الدِّينُ له هيئةً ظاهرةً كالشيء المصبوغ (٣)، وأُضيفت الصِّبغةُ إلى الله تشريفًا كما أُضيفَ الدِّينُ إلى الله؛ كما في قوله: {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢)} [النصر: ٢]، وقوله: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ}.

وقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً}: إقرارٌ من المؤمنين بأنه لا أحدَ أحسن من الله دينًا؛ أي: دينه الذي شرعه لعباده أحسنُ دينٍ، ونظيرها قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء: ١٢٥].

وقوله: {وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (١٣٨)}: كقوله: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦) أي: عابدون له وحده لا نشرك به شيئًا، كما يفيدُه القصرُ المفهوم من تقديم الجار


(١) ينظر: «لسان العرب» (٨/ ٤٣٧).
(٢) قال ابن عباس وقتادة والحسن وجماعة: دين الله، وقال مجاهد ومقاتل: الفطرة. ينظر: «تفسير الطبري» (٢/ ٦٠٤ - ٦٠٦)، و «تفسير ابن أبي حاتم» (١/ ٢٤٥، رقم ١٣١٣)، و «التفسير البسيط» (٣/ ٣٥٩ - ٣٦٢).
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٣٩٢)، و «تفسير البيضاوي» (١/ ١٠٩)، و «البحر المحيط» (١/ ٥٦٦)، و «تفسير الألوسي» (١/ ٣٩٥).

<<  <   >  >>