للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَاسِعِ عَطَاؤُهُ، الْوَاقِعِ قَضَاؤُهُ.

يُحِبُّ مَعَالِيَ الأَخْلاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا، وَيَحْمَدُ مَصَانِعَ الْمَعْرُوفِ وَيُبْغِضُ خِلائَهَا.

مَنْ أَيْقَنَ مِنْهُ بِالْخَلَفِ لَمْ يَخْشَ الضَّيْعَةَ وَلَمْ يَخَفْ.

أَحْمَدُهُ عَلَى حَمْدِهِ بِالإِنْفَاقِ، وَهُوَ الْمُعْطِي، وَأَشْكُرُهُ عَلَى عَوْدِهِ بِالإِرْفَاقِ غَيْرَ مُبْطِي.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةَ مَنْ عَرَفَ رَبَّهُ بِالْغِنَى فَابْتَهَلَ إِلَيْهِ وَضَرَعَ، وَعَرَفَ نَفْسَهُ بِالْفَاقَةِ فَاسْتَكَانَ وَخَضَعَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ، وَأَعَوْدَ بِالْمِيرِ مِنَ السَّنَةِ الْمُخْضَلَةِ.

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَشَرَفِهِ وَحَمْدِهِ.

وَبَعْدُ. . . فَقَدْ تَكَرَّرَ السُّؤَالُ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعَوَامِّ فِي عِدَّةٍ مِنَ الأَعْوَامِ عَنْ أَكْلِ الدَّجَاجِ وَالْحُبُوبِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، هَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَمْ مُحَرَّمٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ؟ .

فَأَجَبْتُ: بِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُبَاحَاتِ، وَإِنِ اقْتُرِنَ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ فَهُوَ الطَّاعَاتُ.

فَذُكِرَ لِي أَنَّ بَعْضَ الْعَصْرِيِّينَ أَفْتَى بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَأَنَّهُ لا يُسْتَحَبُّ فِيهِ شَيْءٌ غَيْرُ الصَّوْمِ.

فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ فَتَاوَى الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ تَيْمِيَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى الْمَسْئُولِ عَنْهُ عَلَى التَّعْيِينِ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سُئِلَ عَنْ أَشْيَاءٍ تَتَعَلَّقُ بِيَوْمِ عَاشُورَاءَ.

وَمِنَ الْمَسْئُولِ عَنْهُ: ذَبْحُ الدَّجَاجِ، وَطَبْخُ الْحُبُوبِ فِي هَذَا الْيَوْمِ؟ فَأَجَابَ: «لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ سُنَّةً فِي هَذَا الْيَوْمِ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ، لَمْ يُشِرْ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا فَعَلَهُ هُوَ وَلا أَصْحَابُهُ» .

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الآتِي وَضَعَّفَهُ كَمَا سَيَأْتِي.

ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْسِنْ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الإِسْلامِ وَلا رَوَى أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ مَا فِيهِ اسْتِحْبَابُ الاغْتِسَالِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَلا الْكُحْلِ، وَالْخِضَابِ، وَتَوْسِيعِ النَّفَقَةِ، وَلا الصَّلاةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلا إِحْيَاءِ لَيْلَةِ عَاشُورَاءَ، وَلا أَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْحَدِيثُ، وَلا ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ سُنَّةً عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَأَعْلَى مَا بَلَغَنِي فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ» ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْتَشِرِ: «جَرَّبْنَاهُ مِنْ سِتِّينَ سَنَةً فَوَجَدْنَاهُ حَقًا» ، ثُمَّ قَالَ: وَابْنُ الْمُنْتَشِرِ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي مَدَائِنِ الإِسْلامِ مَدِينَةٌ أَكْثَرُ كَذِبًا مِنَ الْكُوفَةِ، وَفِيهَا الطَّائِفَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ: الرَّافِضَةُ أَصْحَابُ الْمُخْتَارِ بْنِ عُبَيْدٍ، وَالنَّاصِبَةُ أَصْحَابُ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ، وَكِلاهُمَا ثَقَفِيٌّ، وَهُمَا اللَّذَانِ قَالَ فِيهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ» .

ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَلَعَلَّ هَذَا قَدْ سَمِعَهُ مِنْ شِيعَةِ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ أَتْبَاعِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: جَرَّبْنَاهُ سِتِّينَ سَنَةً فَوَجَدْنَاهُ حَقًا، فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا وَسَّعَ عَلَى عَبْدٍ رِزْقَهُ طَوَّلَ عُمْرَهُ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ التَّوْسِيعِ مَا كَانَ فَعَلَهُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، بَلْ هَذَا قَوْلٌ بِلا عِلْمٌ، وَظَنٌّ مُخْطِئٌ، وَالظَّنُّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا.

وَقَدْ رَوَى عَنِ الرَّافِضَةِ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ الْمَأْتَمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ: مَنْ يُوَسِّعُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا يُوَسِّعُ عَلَى مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، إِلَى آخِرِ كَلامِهِمْ.

وَلَقَدْ تَعَجَّبْتُ مِنْ وُقُوعِ هَذَا الْكَلامِ مِنْ هَذَا الإِمَامِ الَّذِي يَقُولُ أَصْحَابُهُ أَنَّهُ أَحَاطَ بِالسُّنَّةِ عِلْمًا وَخِبْرَةً.

فَأَمَّا قَوْلُهُ: «أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِبَّ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الإِسْلامِ تَوْسِيعَ النَّفَقَةِ عَلَى الأَهْلِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ» ، فَلَيْسَ كَذَلِكَ.

فَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ.

وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.

وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْتَشِرِ.

وَابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ.

وَأَبُو الزُّبَيْرِ.

وَشُعْبَةُ.

يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ.

وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ.

وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ.

 >  >>