للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على كل حال: أقول: إن مثل هذه المنافع العامة لا يجوز لأحد أن يمنع منها من ينتفع بها.

ومن فوائد الحديث: أنه إذا غرز الجار الخشبة لم يلزم بما يسمونه المباناة عندنا، يعني: أن الجار إذا بني وأحاط بيته بجدار، ثم بني جاره وأراد أن يغرس خشبة على الجدار قال: لا يمكن حتى تسلم نصف قيمة الجدار وتسمى المباناة. ولكن ظاهر الحديث أنه ليس للجار أن يطلب هذه القيمة؛ لأن الجدار لمن؟ الجدار له، ولهذا قال: «على جداره» فهو ملكه كيف تطالبني أن أحمل عنك بعض نفقة ملكي؟ فإذا قال: نعم تحمل بعض نفقة ملكي لأنك انفقت به، فالجواب: أن هذا النفع قد جعله الشارع لي ونهاك أن يمنعني، لكن الواقع أن الأمر عندنا على خلاف ذلك، والحكام يحكمون بوجوب دفع نصف النفقة ولعلهم يلاحظون في هذا قطع النزاع؛ لأنهم يخشون أن يتأخر الجار في البناء من اجل أن يقيم جاره الجدار وربما يتكلف عشرة آلاف أو أكثر؛ فإذا بني شرع هذا في البناء فيكون هذا حيلة فلذلك كان القضاة عندنا يحكمون بدفع المباناة يعني: دفع نصف التكاليف على هذا الجدار؛ إذا دفع نصف التكاليف يكون الجدار الآن مشتركاً بين الطرفين لو آل للسقوط ألزم الطرفان ببنائه، وعلى عدم تحميل نصف التكاليف يكون الجدار للأول، ولا يلزم إذا مال الجدار للسقوط ببنائه.

قال: «ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين؟ » يعني: أي شيء لي «أراكم عنها» أيك عن هذه السنة التي حدثتكم بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «معرضين» يعني: لا تعملون بها، «والله لأرمين بها» أي: بالسنة، «بين أكتافكم حتى تنزل عليكم من فوق فترهقكم عملاً» وقيل: «والله لأرمين بها» أي: بالخشبة، أي: لا جعلنها على أكتافكم إن منعتم من وضعها على الجدار، فعلى الوجه الأول يكون الضمي في قوله: «بها» عائداً على السنة، وعلى الثاني يكون عائداً على الخشبة، ولكن أيهما أنسب؟ قال بعض العلماء: الأنسب الثاني، ويؤيد ذلك أمران الأول: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال ذلك حين كان والياً على المدينة لمروان فهو أمير والأمير له سلطة التنفيذ ولو بالقوة، والثاني: أنه يبعد أن يقول أبو هريرة عن السنة: لأرمي نبها بين أكتافكم؛ لأن السنة الأليف أن يقال فيها: لألقينها بين أيديكم ولا توصف بالرمي بين الأكتاف حتى تكون وراء الظهور، بل تلقى بين الأيدي حتى يقتدي بها الناس، ثم هناك وجه ثالث يرجح أن ما بين الأكتاف هو موضع الحمل عادة، فكان أنسب أن يكون المراد بها الخشبة، ونظير هذا قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: «والله ليمرن به ولو على بطنك» يعني: الساقي للماء الذي يمر في ملك الجار.

<<  <  ج: ص:  >  >>