للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فوائد الحديث: أن المنافع المتحمضة التي ليس فيها ضرر لا يجوز الامتناع؛ وذلك لأن وضع الخشب فيه مصلحة للطرفين؛ أما صاحب الجدار؛ فلأن وضع الخشب عليه يقيه من الشمس والأمطار ويزيده شدة وقوة، لأن البناء يشد بعضه بعضا، وأما صاحب الخشب فالمنفعة له ظاهرة، وظاهر هذا الحديث أنه لا يشترط الضرورة، يعني: لا تشترط للنهي عن منعه أن يكون صاحب الخشب مضطراً إلى ذلك، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يشترط أن يكون مضطراً إلى ذلك بحيث لا يمكنه التسقيف إلا على جدار جاره، فإن كان يمكنه التسقيف على الجهة الأخرى فإنه يجوز للجار أن يمنعه، وكذلك يمكنه التسقيف بإقامة أعمدة وجسر على الأعمدة توضع عليه الخشب فلا ينهي الجار عن منعه من وضع الخشب على الجدار، ولكن ظاهر الحديث أولى بالتقديم، وهو أنه لا تشترط الضرورة، وظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن يتضرر الجدار بذلك أو لا يتضرر، ولكن هذا الظاهر غير مراد، ما الذي يخرجه عن الإرادة؟ الأحاديث العامة الأخرى الدالة على أنه «لا ضرر ولا ضرار» ومعلوم أن هذا فيه الضرر وإذا كان الجار قد أراد الضرر صار إضراراً أيضا.

ومن فوائد الحديث: تعظيم حق الجار على جاره؛ ولهذا أضافه قال: «جار جاره» من باب التحنن والتعطف على الجار، ولا شك أن للجار حقاً عظيما على جاره، حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» وقال النبي صلى الله عليه وسلم «والله لا يؤمن والله لا يؤمن، والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه» فالجار له حق على جاره، ومن حقوق ألا يمنعه هذا الحق.

ومن فوائد الحديث: أنه لو كان الجدار مشتركاً فإنه لا يمنعه من وضع الخشب على جداره، يقال: إنه منع، أو إذا نهى عن منعه من وضع الخشب على الجدار الخاص بالجار فمن باب أولى إذا كان الجدار مشتركاً؛ لأن الجار له حق فيه.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للأمير ومن ولاه الله على شيء أن يكون قوياً في إمرته لقوله: «ما لي أراكم عنها معرضين ... إلخ» واللين له موضع، والشدة لها موضع، فإن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم استعمال اللين فهو خال من الحكمة، فأنتم قد مر عليكم مسائل كثيرة استعمل

<<  <  ج: ص:  >  >>