للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سعد بن معاذ، فلما أصبحت قريش .. ارتحلت، فلما رآها صلّى الله عليه وسلم تصوّب من العقنقل-وهو الكثيب الذي هبطوا منه إلى الوادي- .. قال: «اللهم؛ هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخارها تحادّك وتكذّب رسلك، اللهم؛ فنصرك الذي وعدتني، اللهم؛ أحنهم الغداة (١)، اللهم؛ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام .. لا تعبد في الأرض»، وما زال يهتف بربه مادا يديه حتى سقط رداؤه، فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بيده وقال:

حسبك يا رسول الله؛ فقد ألححت على ربك، وهو في الدرع، فخرج وهو يقول:

{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ* بَلِ السّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ} (٢).

وفي «صحيح مسلم» أنه صلّى الله عليه وسلم قال: «هذا مصرع فلان» ويضع يده على الأرض ههنا وههنا، فما ماط أحد من موضع يده صلّى الله عليه وسلم (٣)، ثم عدّل رسول الله صلّى الله عليه وسلم الصفوف وقال لأصحابه: «لا تحملوا حتى آمركم»، وقال: «إذا كثبوكم-أي: قاربوكم- .. فعليكم بالنبل، واستبقوا نبلكم» (٤)، ثم رجع العريش ومعه أبو بكر، فخفق خفقة (٥)، ثم انتبه فقال: «يا أبا بكر؛ أتاك نصر الله؛ هذا جبريل آخذ بعنان فرس يقوده على ثناياه النّقع» (٦).

وكان عدد المشركين ما بين التسع مائة والألف، ومعهم ثمانون فرسا، فلما تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض .. قال أبو جهل-لعنه الله-: اللهم؛ أقطعنا الرحم، وآتانا بما لا يعرف فأحنه الغداة، فكان هو المستفتح على نفسه (٧).

فبرز من الصف شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وولده الوليد بن عتبة يطلبون البراز، وهم في الحديد لا يرى إلا أعينهم، فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار كذلك أيضا لا يرى إلا أعينهم.

فقال القرشيون لهم: من أنتم؟ فسموا أنفسهم، فقالوا: أكفاء كرام، لكنا لا نريد إلا


(١) أحنهم؛ أي: أهلكهم، والحين: الهلاك.
(٢) أخرجه البخاري (٢٩١٥)، والنسائي في «الكبرى» (١١٤٩٣)، والبيهقي (٩/ ٤٦)، وأحمد (١/ ٣٢٩) كلهم مختصرا، وهو عند ابن هشام في «سيرته» (٢/ ٦٢١) عن ابن إسحاق، والله أعلم.
(٣) «صحيح مسلم» (١٧٧٩).
(٤) أخرجه البخاري (٢٩٠٠)، والحاكم (٢/ ٩٦)، وأبو داود (٢٦٥٦)، وأحمد (٣/ ٤٩٨) وغيرهم.
(٥) خفق: نام نوما يسيرا.
(٦) ذكره ابن هشام في «السيرة» (٢/ ٦٢٧)، والنقع: الغبار.
(٧) لكون الوصف الذي دعا على صاحبه به إنما هو وصفه لا غير.

<<  <  ج: ص:  >  >>