طلعت حرب، تجدوا الاتحاد العربي جارفاً كدعوة محمد، سريعاً كفتوح أمية، خصيباً كحضارة العباس!
هذه هي مصر الصحيحة يا شباب الرافدين! لا يزال دينها دينكم، ولغتها لغتكم، وهواها هواكم! أنها لم تركم ولم تروها لأنها في جوف الحوت! وهأنتم أولاء تسمعون حشرجتها الأليمة في حلقه، وستجيش بين معدته وأضراسه جَيَشان السم الزعاف حتى يلفظها حيةً سليمة كيونس! حينئذ تتجه (ابنة الشمس) إلى مطلع الشمس! وهناك يكون مجد العرب اليوم كما كان هناك مجدهم بالأمس! وليس الشرق موطن الديانات والمدينات بضيق ولا جديب
إن الأرض لتُزَلزَل في كل مكان بالدخيل يا بَنِي (الهلال الخصيب)! وإن تاريخ الجدود لينبجس فواراً حاراً من صحون المساجد الجامعة! هل تذكرون ثورة بغداد في جامع الحيدرخانة؟ هل رأيتم غضبة دمشق في الجامع الأقصى؟ هل علمتم وثبة القاهرة من الجامع الأزهر؟ إن لذلك معنى عجيباً لا يندُّ عن خاطر ولا يلتوي على ذهن، ذلك أن المنارة التي يذكر عليها اسم الله، وأن المحراب الذي يقوم فيه الدين، لا يزال هو الركن الذي يأوي إليه الحق، وإن الإسلام الذي ألف شتيت البدو في الأول، هو النظام الذي يجمع شمل العرب في الآخر!
لقد كانت زيارة الطلاب العراقيين فرصة ميمونة لتوثيق الصلات التاريخية المقدسة، صافحونا بالأيدي، وخاطبونا بالألسن، وسمعونا بالآذان، فانمحت الفوارق العارضة، وانجابت الحجب الكثيفة، واستبان أن الخيال جانٍ على الحقيقة، وإن السماع كاذب على العِيان، وإن الوحدة المستحيلة أمر من الواقع!
نعى البرق شاعر العراق الزهاوي والمصريون والعراقيون في حفلة اتحاد الجامعة، فكان وقع المصاب في نفوس الفريقين واحداً لا يختلف؛ وقام كبير الأدباء فأبن كبير الشعراء بكلمة تلقاها الأخوان بعاطفة واحدة وشعور مشترك، لأن الزهاوي كان يهزج بأغاريد الفجر على ضفاف دجلة، فتردد أصداؤها الموقظة في ربوات بَرَدى وخمائل النيل وسواحل المغرب! وأدب الزهاوي وأمثاله هو الذي وصل القلوب العربية في مجاهل القرون السود بخيوط إلهية غير منظورة، ولولاها لم تكن هذه الزورة! وبهذه الزورة وأمثالها نتعارف