للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[علم المتنبي باللغة والأدب]

تصحيحه كتاب المقصور والممدود - تعليقاته على ديوانه

للدكتور عبد الوهاب عزام

يعرف جمهور المتأدبين أبا الطيب شاعراً واسع المعرفة باللغة، ولكنهم لا يعرفونه إماما من أئمة اللغة في القرن الرابع كما يتبين فيما يلي:

قدمت في الكلام على نشأة أبي الطيب أنه درس اللغة والأدب، وأثبت رواية تتضمن أنه لقي جماعة من كبار الأدباء في عصره، ولكن هذه الرواية على ما أظهرته من الوهن في بعض نواحيها لم تبين كم طلب اللغة والأدب على هؤلاء الشيوخ ولا كيف طلب. وقد بينت آنفاً أن رحيل الشاعر إلى الشام كان سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة وهو في سن الثامنة عشرة.

وما روي لنا أنه طلب الأدب على أحد في الشام إلا قول الثعالبي إن أباه رحل به إلى الشام فلم يزل يردده في مكاتبها الخ وجائز أن يكون الشاب المتوقد ذكاء قد درس الأدب واللغة على بعض أدباء الشام أيضاً.

والذي لا ريب فيه أن أبا الطيب بلغ من العلم باللغة وغريبها وشواهدها ولقن عن أهل البادية منها ما لا نعلمه لشاعر آخر من شعرائنا؛ وقد بلغ في هذا أن عدّ في عصره من علماء اللغة، وأن غلب الشعر عليه.

وإثبات هذه الدعوى على النسق الآتي:

١ - رويت لنا حوادث وأقوال متفرقة تبين عن اشتهاره بمعرفة اللغة وتعرب عن رأي معاصريه فيه:

قال ابن الأنباري: (ويحكى أن أبا الطيب اجتمع هو وأبو علي الفارسي، فقال له أبو علي: كم جاء من الجموع على وزن فِعلي؟ فقال: حجلي وظربي، جمع حَجَل وظَرِبان. قال أبو علي: فسهرت تلك الليلة ألتمس لهما ثالثا فلم أجد. وقال في حقه (ما رأيت رجلاً في معناه مثله.) وهذه الجملة الأخيرة ذكرها ابن جني في مقدمة شرحه الديوان، وقال: (ولو لم يكن له من الفضيلة إلا قول أبي علي هذا فيه لكفاه. لأن أبا علي، على جلالة قدره في العلم ونباهة محله وإقتدائه بسنة ذوي الفضل من قبله، لم يكن ليطلق عليه هذا القول إلا وهو

<<  <  ج:
ص:  >  >>