النمر. وقد وردت لفظة الببر كثيراً في المؤلفات العربية وفي الشعر العربي والمقصود بها هذا الحيوان المخطط المسمى عند الإفرنج، فقد جاء في كتاب عجائب المخلوقات (الببر حيوان هندي أقوى من الاسد، بينه وبين الأسد معاداة، وإذا قصد الببر النمر فالأسد يعاون النمر) وقال الدميري في آخر كلامه عن الببر: (وذكر في ربيع الأبرار أن الببر على صورة الأسد الكبير وهو أبيض يلمع بصفرة وخطوط سود) وقال الجاحظ: (الفيل والببر والطاووس والببغاء والدجاج السندي مما خص الله به الهند) وقال في محل آخر: (لأن هذه السباع القوية الشريفة ذوات الرياسة كالأسد والببور والنمور لا تعرض للناس إلا بعد أن تهرم فتعجز عن صيد الوحش). وهو ما يقوله الإفرنج الآن عن هذه الحيوانات عندما تضرى بأكل لحوم البشر. ثم قال في محل آخر:(والببر الهندي مثل الفيل أيضاً والكركدن فلا يقوم له سبع ولا بهيمة، ولا يطمع فيه ولا يروم ذلك منه *). وقد وردت هذه اللفظة في كتاب كليلة ودمنة ويفهم من سياق القصة انه من الحيوانات المفترسة، فلو كان المقصود به أحد السباع المعروفة عند العرب كالنمر أو الأسد أو الفهد لما تعذر على ابن المقفع استعمال لفظة عربية حتى أتى بكلمة أعجمية. وقد ترجمت هذه اللفظة في النسخة الإنجليزية من كتاب كليلة ودمنة وورد ذكرها في مفردات ابن البيطار في آخر باب النمر حيث قال:(والببر سبع كبير) وترجمت الفرنسية. وهذه اللفظة مستعملة في بعض أنحاء الهند في وقتنا الحاضر لهذا الحيوان بعينه، وكذلك الفرس فانهم استعملوها بهذا المعنى أيضاً كما ورد في شرح جامع التواريخ لكاترمير، فقد ذكر الشارح كلمة ببر وقال عنها: الخ.
ولشد ما أدهشني هذا الخطأ الذائع الذي لم يجد قبل الفريق أمين المعلوف من يرده إلى صوابه، ولم يقتصر أمر هذا الخطأ على طلاب المدارس والمشتغلين بالترجمة جميعاً، بل تعداه إلى أكبر دائرة فنية في مصر وهي حدائق الحيوانات، فأنا أعلم أن إدارة تلك الحدائق تضع الكلمة العربية (نمر) إلى جانب اللفظة الإنجليزية تعريباً لها، وقد أنبأني صديق منذ أيام أنها أدركت أخيراً هذا الخطأ فأصلحته منذ أمد قصير.
وقد أتيحت للدكتور المعلوف فرصة قل أن تتوفر لغيره، وهي هذا التجوال في أنحاء السودان وبلاد العرب، فجمع من الطبيعة نفسها، ومما سمعه من أفواه الشعوب التي مر بها من المعلومات ما لا يوجد بين دفات الكتب. مثل ذلك كلمة (أصله) التي ورد ذكرها في