[من صميم السيرة]
الإسراء
للأستاذ أمجد الطرابلسي
رقدتْ ملَء عينها البيداءُ ... واحتوتها في سرِّها الظلماءُ
وأوى موكبُ الطيورِ إلى النَّخ ... لِ وحَنَّتْ لزُغْبِها الورقاءُ
والمها أَطبقتْ على الصَّفوِ عيني ... ها، ومالت إلى الكناِسِ الظّباءُ
سكنَ اللّيلُ، لا هتافٌ ولا عَز ... فٌ ولا آهةٌ ولا ضوضاء
ليس إلاّ النجومُ تهمسُ فرحى ... في الرَّحابِ العُلى فَتُصغي الجِواء
وسَجَتْ مكَّةٌ، فلا اللَّهوٌ لهوٌ ... في حِماها، ولا الغِناءُ غناء
أَطفأَت في الخيام كلَّ سِراج ... رَقصتْ فوقَ ثغرهِ الأَضواء
وانقضى كلُّ سامرٍ أَثملته ... بالفنونِ الرُّواةُ والشُّعراء
وتهادى النسيمُ بين الرّوابي ... كلما هبّ هدّه الإعياء
ملءُ أعطافه أريج الخزامى ... وبقايا الكؤوس، والأنداء
نامت البيد! هل رأيت سريراً ... رقدتْ فوقَ صدرهِ عَذراء؟
الطُّيوفُ الفرحى تطوف حَوالَي ... هِ كما طافَ بالقلوبِ الهناء
والمنى الضاحكاتُ تلثمُ خّدَّي ... ها فيفتُّر ثغرُها الوَضَّاءُ
يا جمالَ البيداء! ماذا ينالُ ال ... وصفُ منهُ، وما يُصيبُ الثناء؟!
كلُّها السِّحْرُ والرِّحيقُ المُصَفى ... كلُّها الشّعرُ والهوى والبَهاءُ
كلُّها المجدُ والبُطولَةُ والسُّؤْ ... دُدُ والعزُّ والنَّدى والإباء!
إيهِ يا منبعَ الصَّناديدِ يا بي ... دُ إذا رَجَّ جانبيكِ نداءُ!
يا مهبَّ الفرسانِ إن صّرَّخ المج ... دُ يناديهمُ وهُزَّ اللّواء!
نامَ يا بيدُ في سكونِكِ ندبٌ ... حَفِظتهُ وهَدْهَدَتْهُ السماء
سَهِرتْ حولَه العِنايةُ ترعا ... هُو وحامَتْ من فوقِهِ الآلاءُ
من ذُؤاباتِ هاشم كلهُ طُه ... رٌ ونبلٌ ورحمةٌ ووفاءُ
أَروعٌ أينَ من عزيمتهِ السَّي ... فُ ومن وجودِ كفّه الأنواء!