مِئْذَنَةُ الحق على صَوْتِها ... لم يبْق ذو وَقْر على وَقْرِه
تَرن في المشرق أَصْدَاؤُها ... من أرْبُعِ الهند إلى مِصْرِه
بغدادُ لا تنفكُّ تَهْفُو لها ... كما هفَا الرُّوضُ إلى قَطْرِهِ
كمْ أطْلَعَتْ آفَاقُهَا أنجُماً ... هُمْ في سمَاء الشرق من زُهْرِهِ
وجَارَةُ الوَادِي تَصُوغُ الهوى ... عِقداً يغَارُ الزهْرِ من طُهْرِه
شبابُهَا الأحرارُ كم بينهم ... من عُدَّةِ الجيل ومن ذُخْرِه
صحيفةُ المشرق قد أَلَّفَتْ ... أشبَالَه الغُرَّ على نَصرِه
دِعامَةُ الفُصْحى وبُرهَانُها ... تَدْعو إلى اللهِ على أمرِه
ما نَسِيَ الشرقُ لها عَزْمَهَا ... في حُلْوِ ما تَلْقى وفي مُرِّهِ
ما حفِلَتْ يوماً بغير العلى ... ولم تُجِب غِراً على هُجْره
كمْ نابه مدَّ لها كفهُ ... بالرائق السلسال من فكره
وناهض لولا أياد لها ... مَرَّ به العَصرُ ولم يدْرِه
وَسَاجِعٍ في ظِلِّهَا رَقْرَقَتْ ... روائع الآياتِ من شِعْره
وناثِرْ بنَانُهُ سَاحِرُ ... تَرَى بديعَ الوشْى في نَثْرِه
ومُبْدِعٍ في الفن هَشَّتْ له ... فجاَء بالمُعْجِب من بِكْره
ومُلْهَم يحكي عهود الهوى ... فَتَسْكَر الألبابُ من خَمْرِه
صحيفةٌ يَبْسُطُهَا أرْوَعٌ ... في سِرِّهِ الصدقُ وفي جَهْرِهِ
ألقت له الفصحى مقالِيدَهَا ... فجاَء بالمُعْجِزِ من دُرِّهِ
كم غايَةٍ في الفن دانَتْ له ... طوعاً وقَدْ عَزَّتْ عَلَى غيره
لا تَبلُغُ الأحْقادُ من نَفْسهِ ... ولا ينالُ الغَدْرُ مِنْ صَبْرِهِ
لا عُسْرُهُ يثنيهِ عَن قَصدِهِ ... ولا يُسيغُ الزَّهْوَ في يُسْرِهِ
حَيَاؤه أَجْمَلُ أوْصَافِهِ ... ولا يَدِقُّ المكْرُ عنْ مَكْرِهِ
بيانُهُ سَمْحٌ إذا ساقه ... لا يَنْفُذُ الغِلُّ إلى صَدْرِه
يَبْنِي عَلَى الأخْلاْقِ من مَجْدِهِ ... ما تَعْجِزُ الأحداثُ عن قَهْرِهِ
لا زال يُولِيه الهُدى نورَه ... وَتَرْفَعُ الأيَّامُ من قَدْرِه