ولا يقعنّ في وهم أحد أن السيدة عائشة كانت تود أن يقتل عثمان، فالصحيح أنها لم تكن تتوقع كل هذا. ولعلها كانت تقنع باعتزاله، على رغم تصريح الكثيرين بأنها سعت في قتله. ومن هؤلاء المغيرة بن شعبة، فإنه دخل على عائشة بعد حادثة الجمل فقالت له:(يا أبا عبد الله، لو رأيتني يوم الجمل قد أنفث النصل هودجي حتى وصل بعضها إلى جلدي.) قال لها المغيرة: (وددت والله أن بعضها كان قتلك.) قالت: (يرحمك الله، ولم تقول هذا؟) قال: (لعلها تكون كفارة لك في سعيك على عثمان.) قالت: (أما والله لئن قلت ذلك لما علم الله أني أريد قتله. ولكن علم الله أني أردت أن يقاتل فقوتلت (تعرض بما وقع لها يوم الجمل) وأردت أن يرمى فرميت، وأردت أن يعصى فعصيت؛ ولو علم مني أني أردت قتله لقتلت.)
وهي الصادقة فيما قالت، ولعل الله أن يرضى عنها ويرضى خصومها بما ندمت وكفّرت. ولئن قال سعد بن أبي وقاص وقد سأل من قتل عثمان؟ -: قتله سيف سلته عائشة وشحذه طلحة وسمه عليّ -، فما كان يريد سعد بقولته هذه إلا بيان الأثر غير المباشر لكل منهم؛ فإن من تتبع مجرى الحوادث بإمعان علم بعد الجميع عن هذه الظنة
وليس أدلّ على ترفع السيدة عن مثل هذه الخواطر من دعوتها على قتلة عثمان، الدعوات البليغة الصادرة عن نفسٍ متأثرة ملتاعة (واعلم أن في القتلة أخاها محمداً) قالت: (قتل الله مذمّماً (تعني أخاها) بسعيه على عثمان، وأهرق دم ابن بديل على ضلالته، وساق إلى أعين بن تميم هواناً في بيته، ورمى الأشتر بسهم من سهامه) فما منهم من أحد إلا أدركته - على رواية الطبري وابن عبد ربه - دعوة عائشة
وذكر صاحب العقد أنها لما قالت بعد مقتل عثمان:(مصصتموه موحى الإناء (الموحى: الغسل اللين) حتى إذا تركتموه كالثوب الرحيض (الغسيل) نقياً من الدنس، عدوتم عليه