للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأخذت أجتاز الزمالك من حَرَم إلى حَرَم إلى أن بلغت منزل الدكتور طه حسين. وكنت أرجو أن أجده وحده، لأني وصلت بعد الساعة التاسعة، وهو عنده وقت هدوء؛ ولكن يظهر أن قدومه من السفر رفع الحجاب فكان منزله في أنس بجماعة من أهل الفضل هم الأساتذة شفيق غربال، وعبد الواحد خلاف، ومنصور فهمي، وعلي عبد الرزاق، وسعيد لطفي، وأمين الخولي، وتوفيق الحكيم، وعبد الوهاب عزام، وإبراهيم مصطفى، وعبد الحميد العبادي.

سلّمتُ على الدكتور طه تسليم المحب المشتاق، وسألته عن باريس وعن السوربون، فأجاب إجابات موجزة دلتْ على أنه يريد أن يكتم عني أشياء. فهل آذت الحرب بعض أصدقائي هناك؟ لا قدر الله ولا سمح!

وبعد لحظة حضر الأستاذ أحمد أمين فنهضت واقفاً لمصافحته، ولكنه زوى وجهه وتجاهل وجودي، ورأيت المقام لا يتسع لمحاسبته على ما صنع، فتكلفتُ الابتسام وأنا مَغِيظ.

وخطر في البال أن حضوري قد يعَكر المجلس، وأن من الخير أن أنصرف؛ ثم تذكرت أنني أحق الناس بمودة الدكتور طه حسين، وإن حالت بيننا الدسائس حيناً من الزمان، فقد كنت صديقه الحق قبل أن يعرف أصدقاء اليوم. كنت صديقه الحميم في ظروف لا يسأل فيها الشقيق عن الشقيق، فكيف أخرج من منزله ليخلو الجوْ لصديق مثل أحمد أمين؟

يجب أن أقضي السهرة كاملة، وعلى من يؤذيه حضوري أن يتفضل بالانصراف!

وبعد أن دارت السجائر على الزائرين شرع الأستاذ أمين الخولي في الحديث

أمين الخولي - يا زكي، ما تترك أبداً أخلاق المنوفية؟

طه حسين - وما أخلاق المنوفية؟

أمين الخولي - هي المشاغبة واللجاجة والعناد

طه حسين - وزكي مبارك مشاغب؟ قل كلاماً غير هذا يا أمين، فما عرف الناس زكياً إلا مثال اللطف والأدب والذوق. الدكتور زكي حقيقة رجل لطيف؛ ومن آيات لطفه أنه ينظر فيرى الناس قد ضجروا من الهدوء والسكون فيسلط عليهم القذائف القلمية ليتذوقوا نعمة الحركة والجدَل والنضال.

علي عبد الرزاق - يظهر أنك راض عن الدكتور زكي مبارك

<<  <  ج:
ص:  >  >>