أحدهما على عدد أفراد الآخر زيادة كبيرة. ففي هذه الحالة، تتغلب لغة أكثرهما عدداً سواء أكانت لغة الغالب أم المغلوب، لغة الأصيل أم الدخيل؛ على شريطة أن تكون اللغتان من شعبة لغوية واحدة أو من شعبتين متقاربتين
والأمثلة على ذلك كثيرة في التاريخ. فمن ذلك أن الإنجليز السكسونيين، حينما نزحوا من أواسط أوربا إلى إنجلترا، لم تلبث لغتهم أن تغلبت على اللغات السلتية التي كان يتكلم بها السكان الأصليون. وذلك لأن عدد من بقي من السلتيين بهذه الأقاليم لم يكن شيئاً مذكوراً بجانب عدد المغيرين؛ وكلا الشعبين كان همجياً منحطاً في مستوى حضارته ومبلغ ثقافته؛ وكلتا اللغتين تنتمي إلى فصيلة اللغات الهندية - الأوربية - والنورمانديون حينما أغاروا على إنجلترا في منتصف القرن التاسع الميلادي واحتلوا معظم أقاليمها، لم تلبث لغة الشعب المقهور أن تغلبت على لغتهم، فأصبح جميع السكان، أصيلهم ودخيلهم، إنجليزيهم ونورمانديهم، يتكلمون الإنجليزية السكسونية. وذلك لأن الإنجليز المغلوبين كانوا أكثر عدداً من النورمانديين الغالبين؛ ولم يكن لأحد الشعبين إذ ذاك حضارة ولا ثقافة راقية؛ وكلتا اللغتين من الفصيلة الهندية - الأوربية
وقد يحدث أحياناً في هذه الحالة أن تتغلب لغة على أخرى من غير فصيلتها. ولكن هذه الظاهرة نادرة الحدوث، ولا يتم التغلب فيها إلا بصعوبة وبعد أمد طويل. واللغة التي تنشأ من هذا التغلب ينالها كثير من التحريف في ألسنة المحدثين من الناطقين بها لشدة الاختلاف بينها وبين لغتهم الأصلية، فتبعد بعداً كبيراً عن صورتها الأولى. فالبلغاريون وهم من أصل (فينواني حينما نزحوا إلى البلقان وامتزجوا بشعوب الصقالبة (السلافية أخذت لغتهم تنهزم شيئاً فشيئاً أمام لغة هذه الشعوب حتى انقرضت وحل محلها لسان صقلبي. وذلك لأن عدد البلغاريين لم يكن شيئاً مذكوراً بجانب عدد الصقالبة الممتزجين بهم؛ وكلتا الفئتين كانت إذ ذاك همجية منحطة في مستوى حضارتها ومبلغ ثقافتها. وقد حدث هذا التغلب مع اختلاف اللغتين في الفصيلة؛ فلغة البلغاريين الأصلية كانت من الفصيلة الفينية، على حين أن اللغات الصقلبية من الفصيلة الهندية - الأوربية، ولكن هذا التغلب لم يتم إلا بصعوبة، وبعد أمد طويل، وصراع عنيف خرجت منه اللغة الغالبة مشوهة محرفة عن مواضعها في ألسنة المحدثين الناطقين بها، فبعدت بعداً كبيراً عن صورتها القديمة. فالبلغارية الحديثة هي