متراتها نهباً؛ وكنت وجدت في ذلك لي متعة كان يحظرها عليّ المجتمع لو أنني أضعت هذا الوقت فيه!
وعندي أن الأخذ من النفس والرد عليها، ومحاورتها بألوان الأفكار، ومناقشتها في ضروب من الآراء، مما يرتاح الإنسان إليه - أو أنا على الأقل، فما أدري ما حال الناس غيري - ولقد تمّر عليّ في حال معينة وظرف بعينه لحظات أود لو أني استطعت أن أكون من هذا المجتمع في نجوة لألقي تلك الصديقة المحببة. . . التي هي نفسي، فأجلس إليها وأداعبها وأعابثها وأحاورها، وأسمعها وتسمعني في صنوف شتى من أبواب الجد الهازل أو الهزل الجاد!
أما الصحراء هذه الصحيفة التي تنبسط أمامي جديدة من سفر الوجود، فما كان أجملها، وما كان أروع الجلال الذي كان يشع منها على النفس فيصغر من شأنها، ويقلل من تيهها، ويذلل من كبريائها، ويصهر جوهرها صهراً يصفيه ويطهر الأعراق
كم من البشر - قبلنا - مروا بك أيتها الصحراء؟ وكم ركباً قبل هذا اقتحم مفاوزك هذه، ثقةً منه بنفسه، واعتماداً منه على قدرته، واتكالاً على ما أوتي من علم؟ وكم منهم نجا، وكم كان في الهالكين؟ لم أنجيت من أسرك فريقاً؟ ولِمَ اقتنصت فريقاً، فأطبقت عليهم في غير شفقة ولا رحمة، ولا ذكر لذويهم الذين استودعوك قلوبهم وائتمنوك عليها ثقة منهم بعدلك فإذا أنت تضيعين الثقة وتخلفين الرجاء؟!
كم - أيتها الصحراء - فيك من قوافل تسمع ولا تجيب، وتحتمل وطأنا إياها ولا تئن؟ لم لا تطلقين هؤلاء من أغلالهم، وترديهم إلى أهلهم فتكسبي حبهم وشكرهم وثقتهم، وتعودون - أنت وهم - بعض لبعض أحباباً؟! ألا تعجبك أيتها الصحراء صداقة الإنسان؟!
يا الله!
مالها لا تحير جواباً! لعلها كانت تنطق فلا أسمع وترفع بالإجابة صوتها فتتلقاه أذني دوياً لا تستطيع آدميتي فهمه واستجلاء معانيه!
وعدت أنظر إلى هذه التلال ثانية فإذا هي قد نّمتْ وكبرت وتضَخَّمت حجارتها واشتدتْ صلابةً وأيْداً؛ وقد علمت - حين سألتُ عن السر - أننا شارفنا أرض فلسطين!! فالقيعة إذا تلبس لباس وقارها وحشمتها لتدخل الأرض المقدسة أرض المعاد! فما بالنا نحن - البشر