للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مشابهاً لهما فلا ضير من الأخذ به على أية حال، كأن نعلم أن فلاناً رجل محسن فلا يضير بعد ذلك أن يقال إنه أحسن بدينار في يوم من الأيام، وهو في ذلك اليوم نفسه لم يحسن بدينار ولا بدرهم، أو يقال إن آخر لص معروف فلا يضير أن يتهم بسرقة رجل بعينه وهو لم يسرق منه بل سرق من رجال آخرين

وعلى هذا المقياس نرجع إلى اختلاف وجهة النظر بيننا وبين الأستاذ الفاضل في موضوع الملاحظات التي أبداها، فلا نرى أننا تجاوزنا القدر اللازم من الترجيح، أو أننا قررنا شيئاً يحتاج تقريره إلى برهان أقوى من البرهان الذي اعتمدنا عليه

فأما نهج البلاغة فقد تشككنا في نسبة بعضه إلى الإمام كما تشكك غيرنا من قبلنا، ودعانا إلى الشك في تعض عباراته كما قلنا في عبقرية الإمام (. . . غلبة الصيغة الفلسفية عليها وامتزاجها بالآراء والمصطلحات التي اقتبست بعد ذلك من ترجمة الكتب الإغريقية والأعجمية، ولا سيما الكلام على الأضداد والطبائع والعدم والحدود والصفات والموصوفات)

ولكن لا يدخل في هذا ما جاء في نهج البلاغة من الكلام على الطاووس والخفاش وما إليه، لأنه لا يشتمل على شيء يستغرب صدوره من الإمام علي أو يستغرب صدوره من العصر الذي عاش فيه

لأن الإمام علياً عربي أصيل، والعرب مشهورون بوصف الأحياء الآبدة والأنيسة التي رأوها، ولهم في الخيل والإبل وبقر الوحش والظباء والكلاب والطير أوصاف لا يدق عنها دقيق من خلائق تلك الأحياء

ولأن الإمام علياً مسلم فقيه دارس للقرآن، والمسلمون مأمورون بالنظر في خلق الله، ولا سيما الفقيه الدارس المطيل للدراسة

ولأن الإمام علياً عرف بالنزعة الصوفية التي جعلت كثيراً من علماء الكلام ورجال الطريق ينسبون أنفسهم إليه

ولأن العبارات التي وصف بها الخفاش والطاووس في نهج البلاغة لا تنافر بينها وبين عبارات الإمام أو عبارات عصره

فترجيح نسبتها إليه لا ضير فيه

<<  <  ج:
ص:  >  >>