أربعة مجلدات، دل على علو كعبه في الشريعة وتاريخها وأدبها، وله غير ذلك من المصنفات والأبحاث والمحاضرات والمسامرات، وها هو نجله الأستاذ أبو عبد الله محمد المهدي يطالعنا ببحث طريف في حياة الوزان الفاسي وآثاره، فكان النجيب ابن النجيب. زادنا الله في أفريقية من أنباء نجباء الأبناء
هو بحث قدمه المؤلف لمؤتمر المستشرقين الثامن الذي أقامه معهد المباحث العليا المغربي بفاس يوم ٢٠ أغسطس سنة ١٩٢٢ في ترجمة أبي علي الحسن الوزان الفاسي المعروف عند الإفرنج باسم ليون الأفريقي , وكان هذا الرجل العظيم من أصل أدلسي، نشأ في فاس وتجلى فيه الذكاء منذ الصغر، فتعلم العلوم الدينية والأدبية ثم ساح في بلاد المغرب الأقصى أوائل المائة العاشرة وكتب رحلات ومفكرات في جغرافية تلك البلاد بناها على مشاهداته، ورحل إلى الروم ومصر والحجاز، وكان في بعض رحلاته سفيراً عن بعض ملوك المغرب الأقصى في زمن الدولة الوطاسية، وارثة الدولة المرينية (دولة العلم والعرفان والفن الرائق الفتان) وقيام الدولة السعدية في الجنوب، ووقع للوزان أن أسره قرصان البحر من الطليان فأتوا به هدية لطيفة إلى البابا ليون العاشر في رومية، وكانت إيطاليا آخذة بنهضتها في عهد ذاك البابا العظيم حامي المعارف والآداب فوجد في الرحلة الوزان ضالته المنشودة لخدمة المعارف، وبعد موت البابا سنة ١٥٢١م ٩٢٧هـ دخل الوزان تحت حماية الكردينال (جيل دي فيطرب) وكان يعلمه العربية، ثم تولى مدة تدريس العربية في كلية بوبونيا في إيطاليا؛ وبذلك تعلم الإيطالية واللاتينية، وكان من قبل يعرف الأسبانية والعبرانية. وألف هناك قاموسه الطبي بأمر البابا كتابه في وصف أفريقية، وقد جود في هذا الكتاب من وراء الغاية حتى جعله الغربيون أعظم مرجع لهم للوقوف على تلك الأرجاء الشاسعة. وصف فيه كل ما رآه من طبيعتها وأجوائها وحاصلاتها وعالمها وأخلاقها وعاداتها
وقد طبع كتاب الوزّان من القديم في إيطاليا وفرنسا غير مرة؛ وعلق عليه ناشروه شروحاً كثيرة واستفادوا منه. فصل كل ذلك الأستاذ المؤلف تفصيل باحث محيط بأطراف موضوعه. وأجاب من اعترضوا عليه مستغربين نبوغ المترجم له في سن الفتوة فقال: دخل الوزّان معترك الحياة دخول أبطال الرجال على حداثته سنّ فجلى وأبلى بلاء تجده