للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: أن الموافقة اليسيرة في بعض الألفاظ مع المخالفة والمباينة الكثيرة في المعاني مما لا يلتفت إليها إلاَّ أهل التعطيل، وبمثل هذه الحيلة عَطَّلوا الربَّ عز وجل، فنُفاة الإرادة بالجملة من المعتزلة -وهم البغدادية- لهم أن يقولوا لسائر المعتزلة: لا يجوز وصف الله بالإرادة، لأنه يوصف بها أهل الحاجة من المخلوقين، فإنها في الشاهد لا تعلق إلاَّ بما يحتاج إليه المريد، بل نفاةُ الصفات كلها قد عطَّلُوا بمثل هذه الشبهة، فقالت الإسماعيليةُ: لا يقال: إن الله حيٌّ، وهذه الصفة تطلق على الكلاب والخنازير، بل لا يقال: إنه موجود ولا شيء، لأنها صفة تطلق على كثير من المستقذرات، وأمثال ذلك مما يصح ذكره، وقد مرَّ تحقيقه في الصفات، وأنَّ مَنْ فرَّ من ذلك وصفه تعالى بصفاتِ المعدومات والمُحالات.

ونحو هذه الموافقة موافقة اليهود بعد بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - لموسى عليه السلام في ظاهر شريعته، فإنها موافقةٌ من بعض الوجوه لكنها مُخالفةٌ في المعنى، لأن موسى بشَّر بمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وأمر باتِّباعه، وكذلك نكاح التسع، مع موافقة النبي - صلى الله عليه وسلم - (١)، وكذا موافقة النساء له في أحكام الرجال، وأمثال هذا لا يحوج إلى ذكره مميز.

الوجه الثاني: -وهو التحقيق- أنا قد بيَّنا أن الله تعالى يكرهُ القبائح لقُبْحِها، ولا يُريدها إرادة محبَّةٍ، ولا رضا، ولا إرادة طلب وأمر، وإنما يريد عقوبة بعض أعدائه بتيسيره للعسرى كما يُريد عقوبته بالنار الكبرى كما صَدَعَتْ بذلك النصوص، وجاء به العموم والخصوص، فأين هذا من موافقة الشيطان اللعين الذي يريد وقوع (٢) القبائح، لأن قُبْحَ وجوهها من معصية الله عز وجل، ومحبة الفساد والرضا بالفواحش والخبائث بحيث إن الله تعالى يكره القبائح من


(١) من قوله: " وأمر باتباعه " إلى هنا ساقط من (أ).
(٢) سقط من (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>