للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَمِنَ السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا

الْحِجْرُ

- قَوْلُهُ تَعَالَى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}.

نَافِعٌ وَعَاصِمٌ: «رُبَمَا» مُخَفَّفًا.

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ مُشَدَّدًا، وَهُمَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ غَيْرَ أَنَّ الِاخْتِيَارَ التَّشْدِيدُ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَلَوْ صَغَّرْتَ لَقُلْتَ: رُبَيْبٌ، وَمَنْ خَفَّفَ أَسْقَطَ‍ بَاءً تَخْفِيفًا، قَالَ الشَّاعِرُ شَاهِدًا لِمَنْ شَدَّدَ:

يَا رُبَّ سَارٍ بَاتَ مَا تَوَسَّدَا ... تَحْتَ ذِرَاعِ الْعَنْسِ أَوْ كَفَّ الْيَدَا

اخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِي الْيَدِ وَمَا مَوْضِعُهَا؟ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: مَوْضِعُهَا جَرٍّ فَأَتَى بِهَا عَلَى الْأَصْلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي يَدٍ يَدِيَ، آخِرُهَا يَاءٌ، تَقُولُ فِي الْجَمْعِ أَيْدِي، وَتَلْخِيصُ ذَلِكَ: كَفَّ الْيَدِي، ثُمَّ قَلَبَ الْيَاءَ أَلِفًا فَقَالَ: الْيَدَا كَمَا تَقْلِبُ الْعَرَبُ الْأَلِفَ يَاءً إِذَا اضْطَرُّوا إِلَيْهَا لِقَافِيَةِ شِعْرٍ، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:

قَوَاطِنًا مَكَّةَ مِنْ وَرَقِ الْحَمِي

أَرَادَ: الْحَمَامَ فَأَسْقَطَ‍ الْمِيمَ الْأَخِيرَةَ فَبَقِيَ الْحَمَا، ثُمَّ خَطَّ‍ الْأَلِفَ إِلَى الْيَاءِ فَقَالَ:

الْحَمِي.

وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: مَوْضِعُ «الْيَدِ» نَصْبٌ، وَ «كَفَّ» فِعْلَ مَاضٍ أَوْ كَفَّ الْيَدَ، كَمَا يَقُولُ: مَنَعَ الْيَدَ.

وَقَالَ الْآخَرُ شَاهِدًا لِنَافِعٍ:

فَسُمَيُّ مَا يُدْرِيكِ أَنْ رُبَّ فِتْيَةٍ ... بَاكَرْتُ سُخْرَتُهُمْ بِأَدْكَنَ مُتْرَعِ

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّ «رُبَّ» لِلتَّقْلِيلِ بِمَنْزِلَةِ «كَمْ» لِلتَّكْثِيرِ فَلِمَ أَتَى بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؟

فَقُلْ: إِنَّ القرآن نزل بلسان عربي، وَهُمْ يَسْتَعْمِلُونَ أَحَدَهُمَا فِي مَوْضِعِ الْآخِرِ كَقَوْلِكَ إِذَا أَنْكَرْتَ عَلَى رَجُلٍ فَلَمْ يَقْبَلْ: رُبَّمَا نَهَيْتَ فُلَانًا فَلَمْ يَنْتَهِ.

فَإِنْ سَأَلَ سَائِلٌ فَقَالَ: مَا مَوْضِعُ «مَا» فِي «رُبَمَا» فَقُلْ: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:

تَكُونُ «مَا» نَائِبَةٌ عَنِ اسْمٍ مَنْكُورٍ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ.

وَتَكُونُ صِلَةً، وَذَلِكَ أَنَّ «إِنَّ» وَ «رُبَّ» لَا يَلِيهِمَا إِلَّا الْأَسْمَاءُ فَإِذَا وَلِيَتْهُمَا الْأَفْعَالُ

<<  <   >  >>