للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ومن سورة سبأ]

قولُه تَعَالى: {عَالِمِ الغَيْبِ}.

قرأ حمزةُ والكِسَائِيُّ: «عَلَّامِ الغَيْبِ» بالخفضِ نعتٌ للرب تَعَالى فِي قَولُه: «قُلْ بَلَى وَرَبِّي} علَّامِ الغَيْبِ» لأنَّ «بَلَى» صلى للقسمِ، و «رَبِّي» جرٌّ بواوِ القسمِ.

و«علَّام» أبلغُ فِي المَدْحِ من «عَلِيْمٍ» و «عالِمٍ» لأنَّ فَعَّالًا لفعلِ وضعَ للتَّكثِيْر والدَّوامِ، والمُبالغة فِي الصِّفة كقوله: جزَّار وحلَّاق، وفلان سبَّاقٌ بالخيرات، واحتجا بما حَدَّثَنِي ابنُ مُجاهدٍ، عن مُحَمَّد بْن هارون، عن يَحيى بْن زيادٍ، قَالَ: فِي حرفِ ابْنُ مَسْعُودٍ «عَلّامُ الغَيْبِ» واحتَجَّا أيضًا بما فِي آخر السُّورة {قُلْ إنَّ رَبِّي يَقْذفُ بالحَقِّ عَلَّامُ الغُيُوْبِ}.

وقال الباقون أعني من قرأ: «عالم الغيب» وهو ابنُ كَثيرٍ وأبو عَمْرٍو وعاصِمٌ «عَلَّامُ الغُيُوبِ» فِي آخرِ السُّورة مضافٌ إلى الجَمعِ فَشُدِّدَتْ للتَّكثرِ والتَّرديد. كما تَقولُ العربُ: أَغْلَقْتُ البابُ مُخَفَّفَا فإن جَمَعُوا قَالُوا غُلِّقَتِ الَأبْوَابُ، وذَبَّحْتُ الشَّاء قَالُوا:

والاختِيَارُ «عَالِمِ الغَيْبِ» كما قَالَ تَعَالى فِي قَدْ أَفْلَحَ، {عَالِمِ الغَيْبِ والشِّهَادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُوْنَ}.

وقرأ نافعٌ وابنُ عامرٍ: «عَالِمُ الغَيْبِ» بالرَّفْعِ عَلَى الابتداءِ والخَبرِ: هُوَ عالمُ الغَيْبِ.

والعَرَبُ تَقُولُ: رجلٌ عالمٌ فإذا زادوا فِي المدح، قَالُوا: عَلِيْمٌ، فإذا بالَغُوا فِي الوصف قَالُوا: علَّامُ، وعلَّامة.

وقولُه تَعَالى: {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَال ذَرَّةٍ}.

قرأ الكِسَائِيُّ وحده: «لَا يَعْزِبُ عَنْهُ» بكسرِ الزاي.

وقرأ الباقون بالضَمِّ. وهما لُغتان: يَعْزُبُ، ويَعْزِبُ مثل يَعْكُفُ، ويَعْكِفُ، ويَعْرُشُ، ويَعْرِشُ، وقَد ذكرتُ علة ذَلِكَ فِي سورة يُونس.

وقولُه تَعَالى: {لَهُمْ عذاب من رجز أليم}.

قرأ ابن كثير وحفصٌ، عن عاصمٍ: «مِنْ رِجْزٍ أَليمٌ» بالرفع فجعله نعتًا للعذاب أي: لَهُمْ عذابٌ أليمٌ من رجزً، والأليمُ: المؤلِمُ الموجِعُ، يقال: آلمتُ الشَّيء آلم. قَالَ اللَّه تَعَالى: {إنْ تكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُم يَألَمُونَ كَمَا تَألَمُون} وقال: أَليمٌ بمعنى مُؤلم، مثل

<<  <   >  >>