للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن سورة الدُّخان

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه: قد ذكرتُ التأويل والتّلاوة فِي «حَم» وإنما أعدتُ ذكره؛ لأن اللَّه تَعَالى قَالَ فِي هذه السُّورة: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} فَقَالَ ابنُ مَسْعُودٍ: قد مضى الدُّخان والبَطْشَةُ وانْشِقَاقُ القَمَرِ. وذلكَ أنَّ المشركين سأَلُوا رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ يُرِيَهُمْ آيةً فصار القَمَرُ نِصْفَيْن. فَقَالوا سَحَرَ القَمَرَ، والبطشةُ الكُبرى والدُّخان هُوَ دعاء رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قَالَ: «اللَّهُمَ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، واجْعَلها عَلَيهِم سِنْينَ كسِنِيّ يُوسِفَ» فكان يَتَغَشَّاهُمْ من الحرَبِ والجُوع كالدُّخان.

وحدَّثني مُحَمَّد بْن حَمْدان المُقْرِئ، قَالَ: غَزَا المُعتصمُ الرُّومَ ذات مرةٍ فلما نَزَلَ بساحتهم صُدِعَ فبلغَ ذَلِكَ ملك الرُّوم، فبعث بقلنسوة فحين وضعها على رأسه برئ فنتقت فإذا فيها رقعةٌ مكتوبٌ فيها «بسم اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيْم كم من نعمةٍ للهِ عَلَى عبدِ شاكرٍ وغيرِ شاكرٍ فِي عرق ساكنٍ وغيرِ ساكنٍ. حم عَسَقَ لا يصدُّعُون عَنْهُ ولا يُنزفون من كلام الرَّحْمَن خَمدَتِ النّيران نارُ التهبت فسمِعَت صوتَ الرَّحْمَن فهَمَدَت ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا بالله تَعَالى» خَمَدَتْ: سَكَنَ لَهَبُهَا وبَقِيَ الجَمْرُ، وَهَمْدَتْ: انْطَفَأَ الجَمْرُ وسَكَنَ اللَّهَبُ.

وقولُه تَعَالى: {رَبِّ السَّماواتِ والَأرضِ}.

قرأها أهلُ الكوفةِ: «ربِّ» بالخفضِ، وكذلك فِي «المُزّمّل» و «عمّ يتساءلون».

وقرا الباقون بالرَِّفعِ فمن رَفَعَ ردَّه عَلَى قولُه: {إنّه هُوَ السِّمِيعُ العَلِيمُ} ومن جرّ جعله بدلًا من {رَبِّكَ}.

وقولُه تَعَالى: {فِي لَيلَةٍ مُبارَكَةٍ}.

أنزلَ اللَّه تَعَالى القُرآن من اللَّوح المَحفوظ‍ فِي ليلةِ القدرِ إلى سماءِ الدُّنيا جُملةً، ثُمَّ نَزَل عَلَى رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَيِّفٍ وعشرين سنةً.

وقولُه تَعَالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}.

أي: فِي لَيْلَةِ القَدْرِ يَقْسمُ اللَّه تَعَالى أرزاقَ عِبادِهِ، ويفرغ من كلِّ أمرٍ إلى ليلةِ القَدْرِ فِي السَّنة المُقبلة «وَرَحْمَةً» تنتصب عَلَى الحالِ من «أنَزْلْناهُ» رحمةً.

<<  <   >  >>