[ومن سورة الواقعة]
قولُه تَعَالى: {إذا وَقَعَتِ الوَاقِعَةُ}.
يعني القِيامة: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ}.
اتَّفق القراء السبّعة عَلَى رفعها، وإنما ذكرتُهُ لأنَّ أبا مُحَمَّدٍ اليَزِيدي خالف أبا عَمْرٍو فنَصبها على الحال {خافضة رافعة} ومعنى رافعة أي: رافعةً أهلَ الجَنَّةِ إلى عِلِّيين.
وخافِضَةً أهلَ النارِ إلى أسفلِ السَّافلين.
وحدثني ابن مجاهد، عن محمد بن هارون، عنْ الفَرَّاء، قَالَ: «كاذبةً» مصدر، وإنما أَتَتْ عَلَى فاعلة نحو عافية.
وقولُه تَعَالى: {وَحُورٌ عِينٌ}.
قرأ حمزةٌ والكِسَائيُّ: «وَحُوْرٍ عِيْنٍ» بالخَفْضِ نَسَقًا عَلَى «بَأَكْوَابٍ» والأَكوابُ:
الأباريقُ التي لا خراطيمَ لها. والمُخلدون مسورون. مقرطون، وقيل: مخلَّدون لا يشيبون، يقال: رجلٌ مخلدٌ: إذا بَقِيَ زَمانًا أَسودَ اللّحْيَةِ، ولا يشيبَ والمَعين: الخَمرُ الجارِي.
وقرأ الباقون: «وحُورٌ عِينٌ» بالرَّفْعِ. وحجَّتهم: أنَّ الحُور لا يطافُ وإنما يُطاف بالخمرِ. فرفعوا عَلَى تقدير: يُطاف عليهم ولدانٌ مخلدون بأكوابٍ وأباريقُ ولهم مَعَ ذَلِكَ حورٌ عينٌ. وفي حرفِ أُبيِّ: «وحُورًا عِيْنًا» بهِنّ بالنَّصب عَلَى تقدير أعطاهم مَعَ ذَلِكَ حُورًا عِينًا، والحور حَوْرَاءَ والعِيْن: جمعُ عَينَاءَ، وهي الواسعةُ العَيْنين، والحَوَرُ فِي العَين: شدة بياضِ المُقلةِ مَعَ شدَةِ سوادِ الحَدَقَةِ.
فإن قيل لَكَ: لِمَ ضَممت الحاءَ فِي «حُور» وكسرت العين فِي «عِين».
فقُل: إنَّما كَسروا العَين لتصحَّ الياءَ، كما قيل، أبيَضُ وبِيْضٌ و {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} ومثله: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا} ثُمَّ قَالَ: {أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا} والأصلُ: أَيْدِيٌ، فَقَلَبُوا من الضَّمةِ كسرةً لئلا تَصيرَ الياءُ واوًا.
ومن العَربِ مَنْ يَقُوْلُ: حِيرٌ عِيْنٌ عَلَى الِإتباعِ، وينشد:
أزمان عَيناء سرور المسرور ... عَيناء حَوراء من العِين الحِيْر