[ومن سورة التغابن]
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه: إنَّما سُميت هَذِهِ السُّورة بذلك لقوله: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} ويومَ الجمعِ: يومُ القِيَامَةِ. وذلك أن أهلَ الجنَّةِ غَبنوا أهل النار، واستنقصوا عُقولَهم حينَ عبدُوا مَعَ اللهِ إلهًا آخرَ، يُقال: غُبِنَ الرجلُ فِي الشَّراءِ والبَيع غَبْنًا، وغُبِنَ الرَّجلُ رأْيه يُغْبَن غَبَنًا، فالفاعل غابِنٌ، والمفعول مغبونٌ.
وقولُه تَعَالى: {يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ}.
قَرَأَ نافعٌ وابنُ عامرٍ بالنُّون.
وقرأ الباقون بالياءِ.
وَقَدْ ذكرتُ نحو ذَلِكَ فيما سَلَفَ، وإنما ذكرتُه لأنَّ بعده: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}.
فحدّثني ابنُ مجاهدٍ، عنْ السِّمَّرِيّ، عنْ الفَرَّاءِ، قَالَ: معناه: أنْ تَقولَ عندَ المُصِيْبَةِ {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} فتلك هي الهِدَاية.
وقال آخرون: «يَهْدِ قَلْبَهُ» إذا ابتُلى صَبَرَ، وإذا أُنْعِمَ عَلَيْهِ شَكَرَ، وإذا ظُلِمَ عَلَيْهِ غَفَرَ.
وروُى عنْ أَبِي بكرٍ الصِّديق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ: «يهدئ قَلْبُهُ» أراد يهدأ أي:
يَسكن، يُقال: هدأ يهدأ، والأمر اهدأ يا هَذَا مثل اقرأ، ويُقال: طرقت فلانًا بعد ما هدأتِ الرِّجْلُ أي: بعد ما نامَ النَّاس، وأتيته قبل العُطاس أي: وقت السَّحر قبل أَن يَنْتَبِهَ النّاسُ.
وقولُه تَعَالى: {يُضاعِفْهُ لَكُمْ}.
قَرَأَ ابنُ كثير وابن عامر: «يضعفه» مشدَّدةً بغيرِ ألفٍ.
وقرأ الباقون بألفٍ. وَقَدْ ذكرتُ علّته فِي البقرة.
وقولُه تَعَالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمُ}.
فِيهِ ثلاثُ قراءات:
رُوى عنْ عَبَّاس وأبي عَمْرٍو بإسكان العين.
وقرأ فِي سائر الروايات باختلاس الحركة مثل «يَأمْرُكُمْ» «ويَنْصُرُكُمْ» والباقون يضمون بالإشباع.