[ومن سورة المعارج]
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه: أول هَذِهِ السُّورة جواب لقولُه تَعَالى: - حكاية عنْ المُشركين -:
{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} فإنزل اللَّه تَعَالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ}.
فَقَالَ النَّحويُّون: الباء هاهنا بمعنى عن والتقدير: سَأَلَ سائل عنْ عذابٍ واقعٍ، قَالَ الشاعرِ:
دَعِ المُغَمَّرَ لا تَسْأَلْ بِمَصْرَعِهِ ... وَاسْأَلْ بِمَصْقَلَةُ البَكْرِيِّ مَا فَعَلَا
وقولُه: {سَأَلَ سَائِلٌ} بغير همزٍ، فيجوز أن يكون أراد سأله بالهمز فترك الهمزَ تخفيفًا، ويجوز أن يكون جعله من السّيل سال يَسيل وسائل: وادٍ في جهنم، كما قَالَ تَعَالى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} والغَيُّ: وادٍ فِي جهنم، وكما قَالَ: {قُلْ أَعُوْذُ بِرَبِّ الفَلَقِ}. والفَلَقُ: جبٌّ فِي جهنم.
وأجمع القُراء عَلَى همز «سائِلٌ» لأنَّه إن كَانَ من سَأَلَ فعين الفعل همزةٌ، وإن كَانَ من سال بغير همز فالهمزة بدل من الياءِ، كما يُقال: باع فهو بائعٌ وسار فهو سائرٌ.
وقولُه تَعَالى: {نَزَّاعةً للشَّوَى}.
روا حفصٌ، عنْ عاصمٍ: «نَزَّاعةً للشّوى» لأنَّه جعلها حالًا «كلا إنها لَظى» و «لظى»: اسم لجهنم معرفة، ونزاعة نكرة فقطعتها منها. ومَن رفع جعلها بدلًا من «لَظًى» عَلَى تقدير كلا إنّها لظًى، وكلّا إنها نزاعةٌ للشوى. ويجوز: كلا إنها لظى هِيَ نزاعةٌ للشوى. والشَّوى: الأطرافُ، اليدان والرجلان وجلدة الرأس. قَالَ الشَّاعِر:
قالَتْ قُتَيْلَةُ ما لُهُ ... قَدْ جَلَّلَتْ شَيْبًا شُواتُه
والتقى أَبُو عَمْرو بْن العَلاء وأبو الْخَطَّاب الأخفش فِي مجلسٍ فأنشد أَبُو الخطاب:
قالَتْ قُتَيْلَةُ ما لُهُ ... قَدْ جَلَّلَتْ شَيْبًا شُوَاتُه
فَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: صحَّفت، إنَّما هُوَ سراته فسكت أَبُو الخَّطبِ، ثُمَّ قَالَ: لنا بعدُ، بل صحَّفَ هُوَ، قَالَ: فسألنا بعدَ ذَلِكَ جماعةً من العَرب، فأنشد بعضهم كما قال أبو