للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن سورة «والضُّحى»

قَالَ أَبُو عبدِ اللَّه: هِيَ مكيّة، والضُّحى جزءٌ من الشَّمس، وهي أول ساعةٍ من النَّهار من حين تطلع الشمس. فأقسم اللَّه تَعَالى وب‍ {اللَّيْلِ إذَا سَجَى} يعني: إِذَا غَطّى ظلمته ضوءَ النهار.

فقرأ الناس كلهم: «سجى» مُخفَّفًا إلا الْحَسَن، فإنه قَرَأَ «سجَّى» مشدَّدًا، والسَّاجي: السَّاكِنُ، وَيُقَال: بحر ساجٍ، وليل ساجٍ لام الفعل ياءٌ مبدلةٌ من واو، والأصل: ساجو فصارت الواو ياء لانكسار ما قبلها. فأمَّا الساج الطيلسان فلام الفعل جيم {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} جوابُ القسم.

وأجمع القراء عَلَى تشديد الدَّال من ودَّع يودع من التَّوديع والمفارقة والترك، وذلك أن الوحي احتبس عنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمس عشرة سنة فَقَالَ كفار قريش: إن اللَّه قَدْ ودع محمدًا وقلاه أي: أبغضه كذبا منهم، وعدوانا فأنزل الله تعالى مقسما: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} وروى عنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هشام بْن عروة: «ما وَدَعَكَ ربُّك» مُخففًا، أي: ما تركك من قولهم: زيدٌ يدع عمرًا أَوْ ينبذه أي: يتركه: وهذا لا يصححه أهل النقل؛ لأنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفصحُ الناسِ فلا يقرأ إلا باللُّغة الفصحى، وكلامُ العربِ يدع، ويذر، ولا يُقال مِنْهُ ودعته، ولا وذرته. وإنما جاء ذَلِكَ فِيْ بيتِ شعر.

أنشدني أَبُو بشر بالرَّي، عنْ الْمَازِنِي:

لَيْتَ شِعْرِيِ عَن خَلِيِلي مَا الَّذِي ... غَالَهُ فِي الحُبِّ حَتَّى وَدَعَهُ

وقال سيبويه: استغنت العرب بتركه عنْ ودعته كما استغنوا بأنت مثلى وأنا مثلك عنْ أن يقولوا أنت لي وأنا لَكَ.

وقولُه تَعَالى: {وَوَجَدَكَ عائلًا فَأَغْنَى}.

قَرَأَ أَبُو عَمْرو: «وَوَجَدَكَ عِائِلًا» بكسرِ العين فيما حَدَّثَنِي ابْنُ مجاهد، قَالَ: حَدَّثَنَا الجمال، عنْ روح، عنْ أَحْمَد، عنْ أَبِي عَمْرو أَنَّهُ قَرَأَ «عائِلا» بالِإمالة والمدَّ والهمز والمشهور عنْ أَبِي عَمْرو «عائِلا» بفتح العين، وكذلك قُرَأَهُ الباقون.

وقال سيبويه: تجوز الِإمالة فِيْ كلِّ شيء عَلَى فاعل نحو: عالم وعامل ومالك لأنه

<<  <   >  >>