للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧)}

الشرح: {وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى} أي: تقربكم عندنا قربى، وترفع مكانتكم عندنا لا في الدنيا، ولا في الآخرة، والزلفى: القربى. والزلفة: القربة. ومعنى الآية:

لا تزيدكم الأموال، والأولاد عندنا رفعة، ودرجة، ولا تقربكم تقريبا. هذا؛ وأخبر ب‍: (التي) عن الأموال، والأولاد؛ لأن الجمع المكسر عقلاؤه، وغير عقلائه سواء في حكم التأنيث، والإفراد، والجمع. وقرئ: «(بالذي)». ويجوز في غير القرآن أن تقول: باللتين، وباللاتي، وباللواتي، وباللّذين، وبالذين للأولاد خاصة. هذا؛ وقدم الله ذكر الأموال على الأولاد؛ لأنها أول عدة يفزع إليها عند نزول الخطوب.

{إِلاّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً:} قال سعيد بن جبير-رضي الله عنهما-: المعنى: إلا من آمن وعمل صالحا، فلن يضره ماله، وولده في الدنيا. وروى ليث عن طاوس: أنه كان يقول: اللهم ارزقني الإيمان، والعمل، وجنبني المال، والولد، فإني سمعت فيما أوحيت: {وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ..}. إلخ. ومعنى قول طاوس هذا؛ -والله أعلم-: اللهم جنبني المال، والولد المطغيين، أو: اللذين لا خير فيهما. فأما المال الصالح، والولد الصالح للرجل الصالح، فنعم هذا، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمرو بن العاص: «نعم المال الصالح للرجل الصّالح». واعتبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم الولد الصالح من النعم العظيمة، ومن أسباب الخير للإنسان بعد موته وتكثير حسناته بسبب دعاء الولد الصالح له. هذا؛ وفي عطف العمل الصالح على الإيمان في الآية الكريمة وغيرها إيحاء بأن العمل قرين الإيمان، وقد لا يجدي الإيمان بلا عمل، وهو ما أفاده قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم:

«الإيمان والعمل قرينان، لا يقبل الله أحدهما بدون صاحبه». كما أن الإيمان مشروط لقبول العمل الصالح، وهذا يسمى في علم البديع احتراسا، وينبغي أن تعلم: أن الأموال لا تقرب أحدا إلى الله إلا المؤمن الصالح، الذي ينفقها في سبيل الله، والأولاد لا تقرب أحدا، ولا تنفعه إلا من علمهم الخير، وفقههم في الدين، ودربهم على الصلاح وطاعة الله عز وجل.

{فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا:} فالضعف: الزيادة، أي لهم جزاء التضعيف، أي يضعف الله لهم حسناتهم، فيجزي بالحسنة الواحدة عشرا، إلى سبعين، إلى سبعمائة، وانظر الضعف، والتضعيف في الآية رقم [٣٠] من سورة (الأحزاب). {وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ} أي:

من عذاب الله، وسخطه، وانتقامه، و {الْغُرُفاتِ} جمع: غرفة، ويقرأ بفتح الراء، وضمها، وسكونها، وتجمع غرفة على: غرف أيضا، انظر الآية رقم [٥٨] من سورة (العنكبوت) تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك. وانظر شرح «المال» في الآية رقم [٢٧] من سورة (الأحزاب). ولا تنس

<<  <  ج: ص:  >  >>