وممن روينا عنه اختيار الفطر على الصوم: سعد بن أبي وقاص؛ وصح عن ابن عمر: " أنه كان لا يصوم في السفر، وكان معه رفيق، وكان يقول: يا نافع، اصنع له سحوره. قال نافع: كان ابن عمر يقول: رخصة ربي أحب إلي، وإن آجر لك أن تفطر في السفر ".
قال أبو محمد: ولسنا نقول بشيء من هذه الأقوال، فنحتاج إلى ترجيح بعضها على بعض، لأن كلها متفقة على جواز الصوم في رمضان في السفر، وهو خلاف قولنا؛ وإنما يلزمنا دفعها كلها من أجل ذلك؛ فنقول وبالله نتأيد ونستعين:
أما قول الله تعالى:{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}[سورة البقرة آية: ١٨٤] ؛ فقد أتى كبيرة من الكبائر، وكذب كذباً فاحشاً، من احتج بها في إباحة الصوم في السفر، لأنه حرف كلام الله عن مواضعه؛ نعوذ بالله من مثل هذا، وهذا عار لا يرضاه محقق، لأن نص الآية:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} إلى قوله: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}[سورة البقرة آية: ١٨٣-١٨٤] . وإنما نزلت هذه الآية في حال الصوم المنسوخة، وذلك أنه كان الحكم في أول نزول صوم رمضان: من شاء صام، ومن شاء أفطر وأطعم مكان كل يوم مسكيناً، وكان الصوم أفضل، هذا نص الآية؛ وليس للسفر فيها مدخل أصلاً، ولا للإطعام مدخل في الفطر في السفر أصلاً، وبهذا جاءت السنن. ثم ذكر الأحاديث، والآثار في ذلك.