ومن المنتسبين إلى السنة، من يقول: إن صاحب الكبيرة يعذب مطلقا ; والأكثرون على خلافه، وأن الله سبحانه يزن الحسنات والسيئات ; وعلى هذا دل الكتاب والسنة، وهو معنى الوزن، لكن تفسير السيئة بالشرك هو الأظهر ; لأنه سبحانه غاير بين المكسوب والمحيط، فلو كانا واحدا لم يغاير، والمشرك له خطايا غير الشرك أحاطت به ; لأنه لم يتب منها.
وأيضا، قوله:{سَيِّئَةً} نكرة، وليس المراد جنس السيئات بالاتفاق، وأيضا: لفظ السيئة، قد جاء في غير موضع مرادا به الشرك، وقوله:{سَيِّئَةً} أي: حالا سيئة ; أو مكانة سيئة ونحو ذلك، كما في قوله:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً}[سورة البقرة آية: ٢٠١] أي: حالا حسنة تعم الخير كله، وهذا اللفظ يكون صفة، وقد ينقل من الوصفية إلى الاسمية، ويستعمل لازما ومتعديا، يقال: ساء هذا الأمر، أي: قبح ; ويقال: ساءني هذا.
قال ابن عباس، في قوله:{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا}[سورة يونس آية: ٢٧] أي: "عملوا الشرك; لأنه وصفهم بهذا فقط، ولو آمنوا لكان لهم حسنات وسيئات"، وكذا لما قال:{كَسَبَ سَيِّئَةً} لم يذكر حسنة. وقوله:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى}[سورة يونس آية: ٢٦] أي فعلوا الحسن، وهو ما أمر به، كذلك السيئة تتناول المحظور، فيدخل فيها الشرك. ومنها قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا}[سورة البقرة آية: ٦٢] الآية.