وروي عن طاووس:"أن رجلين اختصما إليه فأكثروا، فقال طاووس: اختلفتما وأكثرتما، فقال أحد الرجلين: لذلك خلقنا، فقال طاووس: كذبت أليس يقول: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} قال: لم يخلقهم ليختلفوا، ولكن خلقهم للجماعة والرحمة" وقال ابن عباس: "للرحمة خلقهم، ولم يخلقهم للعذاب"; وكذا قال مجاهد والضحاك وقتادة.
وعلى هذا الإشكال، فيكون كقوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ}[سورة الذاريات آية: ٥٦] ، قال العماد ابن كثير، رحمه الله: ويدل على ذلك قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[سورة البقرة آية: ١٨٥] ، {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً}[سورة النساء آية: ٢٧] .
وأما قوله:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ}[سورة الذاريات آية: ٥٦] فاللام للتعليل بلا ريب، وهو قول أهل السنة والجماعة قديما وحديثا; فدلت الآية على أن حكمة الرب في خلقه الثقلين ليعبدوه وحده.
فإنه ربهم وخالقهم ومليكهم، وهم تحت قهره وقدرته، وهو المنعم عليهم وحده، فوجب لذلك وغيره من صفات الله وعظمته أن يكون هو معبدوهم وحده دون كل ما سواه، كما قال تعالى:{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}[سورة النحل آية: ١٧] ، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ