فإن الأمة في عهد استقامتها وتمسكها بالسنن، لا تطيق أن ترى بين أظهرها عاصيا ولا معصية؛ فإذا رأت شيئا من ذلك ثارت ثورة الأسد، ولم تهدأ إلا إذا أذاقت المجرم ما يليق به، وما يستحق على قدر جريمته، تفعل ذلك غيرة على دينها وطلبا لمرضاة ربها. والمجرمون إذا رأوا ذلك، كفوا عن إجرامهم وبالغوا في التستر، إذا أرادوا تلويث أنفسهم بما يرتكبون.
فإذا لم تستقم الأمة، ولم تراع سنن دينها، ضعفت غيرتها، أو انعدمت انعداما كليا في نفوسها؛ إذ لو شاهدت ما شاهدت من المعاصي، إما أن يتحرك بعض أفرادها حركة ضعيفة، لا يخاف معها العاصي، ولا ينزجر عن معصيته؛ بم وإما أن يتفق الجميع على الإغماض عن ذلك العاصي، فيفعل ما يشاء بدون خوف ولا خجل، وإذاً يرفع ذوو الإجراء رؤوسهم غير هيابين، ولا خجلين من أحد.
ولقد وصلنا إلى حد ماتت فيه الغيرة الدينية عند كل أحد، حتى من يرجى ويظن أنهم حماة الإسلام، وأبطال الدين، مما جعل العصاة يمرحون في ميادين شهواتهم، ويفتخرون بعصيانهم، بدون حسيب ولا رقيب؛ ولو شئت لقلت- ولا أخشى لائما- نحن في زمن علا فيه واعتز أرباب الرذائل، وأصبحت الدولة لهم. وأهل الفضيلة، المتمسكون بأهداب دينهم، عندما ينكرون على المجرمين إجرامهم، يكونون كالمضغة في الأفواه