فَسَرَّهُ رَغْبَتُهُمَا فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: أَجْلِسْهُمَا يَا عَمْرُو وَامْنَعْهُمَا مِنْ حَمْلِ السَّيْفِ. قَالَ عَمْرٌو: فَفَعَلْتُ. فَبَلَغَهِ أَنَّهُمَا يَنْطِقَانِ فِي الْقَدَرِ، فَدَعَاهُمَا، فَقَالَ: أَعِلْمُ اللَّهَ نَافِذٌ فِي عِبَادِهِ أَوْ مُنْتَقِضٌ؟ قَالَا: بَلْ نَافِذٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: فَفِيمَ الْكَلَامُ. فَخَرَجَا، ثُمَّ بَلَغَهُ أَنَّهُمَا قَدْ أَسْرَفَا، فَقَالَ: مَا هَذَا الْأَمْرُ الَّذِي تَنْطِقَانِ فِيهِ؟ قَالَا: نَقُولُ مَا قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: " هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِيْنٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئَاً مَذْكُوْرَاً ... " إلى " ... وإما كفورا " ثُمَّ سَكَتَ، فَقَالَ عُمَرُ، اقْرَأْ، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: " يُدخل منْ يشاء في رحمته "، فَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ تَرَى يَا ابْنَ الْأَتَانَةِ؟ تَأْخُذُ الْفُرُوعَ، وَتَدَعُ الْأُصُولَ ثُمَّ أَخْرَجَهُمَا، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ مَرَضِهِ بَلَغَهُ أَنَّهُمَا قَدْ أسرفا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا وَهُوَ مُغْضَبٌ، فَقَالَ: أَلَمْ يَكُنْ فِي سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ - حِينَ أَمَرَ إِبْلِيسَ بِالسُّجُودِ - أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ؟، قَالَ عَمْرٌو: فَأَوْمَأْتُ إِلَيْهِمَا بِرَأْسِي، قُولَا: نَعَمْ. فَقَالَا: نَعَمْ. فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِمَا، وَالْكِتَابُ إِلَى الْأَجْنَادِ بِخِلَافِ مَا قَالَا.
فَمَاتَ عُمَرُ قَبْلَ أَنْ تُنَفَّذَ تلك الكتب.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute