للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلهذا السبب وأمثاله كان إحداث الكنائس في القاهرة وغيرها، وقد كان في بر مصر كنائس قديمة لكن تلك الكنائس أقرهم المسلمون عليها حين فتحوا البلاد؛ لأن الفلاحين كلهم كانوا نصارى ولم يكونوا مسلمين، وإنما كان المسلمون الجند خاصة وأقروهم كما أقر النبي صلى الله عليه وسلم اليهود على خيبر لما فتحها؛ لأن اليهود كانوا فلاحين وكان المسلمون مشتغلين بالجهاد.

ثم إنه بعد هذا في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما كثر المسلمون واستغنوا عن اليهود أجلاهم أمير المؤمنين عن خيبر كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب» حتى لم يبق في خيبر يهودي، وهكذا القرية التي يكون أهلها نصارى وليس عندهم مسلمون ولا مسجد للمسلمين، فإذا أقرهم المسلمون على كنائسهم التي فيها جاز ذلك كما فعله المسلمون. وأما إذا سكنها المسلمون وبنوا بها مساجدهم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تصلح قبلتان بأرض» ، وفي أثر آخر: «لا يجتمع بيت رحمة وبيت عذاب» . والمسلمون قد كثروا بالديار المصرية وعمرت في هذه الأوقات حتى صال أهلها بقدر ما كانوا في زمان صلاح الدين مرات متعددة، وصلاح الدين وأهل بيته ما كانوا يولون النصارى ولم يكونوا يستعملون منهم أحدا في أمر من أمور المسلمين أصلا، وكانوا مؤيدين منصورين على الأعداء مع قلة المال والعدد. وإنما قويت شوكة النصارى والتتار بعد موت العادل أخي صلاح الدين، حتى إن بعض الملوك أعطاهم بعض مدائن المسلمين، وحدث حوادث بسبب التفريط فيما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى يقول: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ - الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: ٤٠ - ٤١] فكان ولاة الأمور الذين

<<  <   >  >>