ثم نمضي خطوة أخرى في طريق المنهج أيضًا نلمحها في قوله:"وقصدت من جملة الأخبار وفنون الآثار أشرفها جوهرًا، وأظهرها رونقًا، وألطفها معنى، وأجزلها لفظًا، وأحسنها ديباجة، وأكثرها طلاوة وحلاوة".
هذه الفكرة تكشف عن منهجه في اختيار النماذج التي أتى بها، وضمنها كتابه، والأخبار والنوادر التي أوردها، وهو منهج يعتمد على التأثر الذاتي، والتذوق الفردي، ويفصح عن تمتع المؤلف بذوق فني رفيع يعتد به، ومعرفة تامة بمواطن الجودة والرداءة من الكلام، فالرجل لم يسجل في موسوعته إلا أشرف المعاني وأجودها، هذا جزء من المنهج أيضًا يتعلق بمسألة اختيار النماذج، والجزء الأول يتعلق بمسألة الترتيب والتنظيم.
جانب ثالث من جوانب المنهج العلمي الذي استخدمه يشير إليه أيضًا بقوله:"وحذفت الأسانيد من أكثر الأخبار طلبًا للاستخفاف والإيجاز، وهربًا من التثقيل والتطويل؛ لأنها أخبار ممتعة وحكم ونوادر، لا ينفعها الإسناد باتصاله، ولا يضرها ما حذف منها"، فالرجل كما ترى في هذه الفكرة لا يكثر من ذكر الأسانيد عند إيراد الأخبار؛ حتى لا يمل القارئ أو يطول الكتاب، هذا أيضًا ملاحظة نضيفها إلى الملاحظة السابقة، من أنه يراعي حال المتلقي عند تأليفه ذلك الكتاب.
وهذه الطريقة التي أشار إليها -حذف الأسانيد لأنها لا تفيد من وجهة نظره- رغم أنها تفيد القارئ في الحصول على المعلومة من أيسر الطرق؛ لأن الذي ينظر في كتاب من الكتب يود الحصول على المعلومة بسرعة، وفي وقت وجيز، لا يتعلق بذكر الأسانيد، فهو بهذا يقدم المعلومة لمن يطلع على الكتاب في أقل وقت زمني، رغم أنها تفيد القارئ في الحصول على المعلومة من أيسر الطرق، إلا أنها لا تفي بالغرض، أحيانًا الإنسان يقرأ خبرًا من الأخبار، فيرى أنه في حاجة ملحة إلى معرفة أصل ذلك الخبر، وتتبع رجاله، في هذه الحالة لابد من