قد تهدلت أغصانها كأنما بريرها حب فلفل، فدنوت فإذا أنا بقس بن ساعدة في ظل شجرة بيده قضيب من أراك ينكب به الأرض وهو يترنم بشعر ويقول: من البسيط
يا ناعي الموت والملحود في جدثٍ ... عليهم من بقايا بزهم خرق
دعهم فإن لهم يوماً يصاح بهم ... فهم إذا انتبهوا من بعضهم فرقوا
حتى يعودوا لحالٍ غير حالهم ... خلقاً جديداً كما من قبله خلقوا
منهم عراةٌ ومنهم في ثيابهم ... منها الجديد ومنها المنهج الخلق
قال: فدنوت منه فسلمت عليه فرد علي السلام، وإذا أنا بعين خرارة في أرض خوارة، ومسجد بين قبرين، وأسدين عظيمين يلوذان به، ويتمسحان بأثوابه، فإذا أحدهما سبق الآخر إلى الماء فتبعه الآخر يطلب الماء فضربه بالقضيب في يده وقال: ارجع ثكلتك أمك حتى يشرب الذي ورد قبلك، فرجع ثم ورد بعده فقلت له: ما هذان القبران. فقال: هذان قبرا أخوين لي كانا يعبدان الله عز وجل معي في هذا الحال لا يشركان بالله عز وجل شيئاً فأدركهما الموت فقبرتهما، وها أنا بين قبريهما حتى ألحق بهما، ثم نظر إليهما فتغرغرت عيناه بالدموع، وانكب عليهما يقول: من الطويل
خليلي هبا طالما قد رقدتما ... أجدكما لا تقضيان كراكما
ألم تريا أني بسمعان مفردٌ ... وما لي فيها من خليل سواكما
مقيمٌ على قبريكما لست بارحاً ... طوال الليالي أو يجيب صداكما
أبكيكما طول الحياة وما الذي ... يرد على ذي عولة إن بكاكما
فإنكما والموت أقرب غائبٍ ... بروحي في قبريكما قد أتاكما
أمن طول نومٍ لا تحسان داعياً ... كأن الذي يسقي العقار سقاكما
فلو جعلت نفسٌ لنفسٍ وقايةً ... لجدت بنفسي أن تكون فداكما
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحم الله قساً، إني أرجو أن يبعثه الله عز وجل أمة وحده. ولما ظهر سيف ذي يزن على الحبشة وذلك بعد مولد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين أتته