وفود العرب وأمراؤها وشعراؤها تهنئه وتذكر ما كان من بلائه وطلبه بثأر قومه، وأتاه وفد قريش، منهم عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس وعبد الله بن جدعان وأسد بن عبد العزى ووهب بن عبد مناف وقصي بن عبد الدار فدخل عليه آذنه وهو في رأس قصر يقال له غمدان، وهو الذي يقول فيه أمية بن أبي الصلت الثقفي: من البسيط
اشرب هنيئاً عليك التاج مرتفقاً ... في رأس غمدان دارٌ فيك محلالا
واشرب هنيئاً فقد شالت نعامتهم ... وأسبل اليوم في برديك إسبالا
تلك المكارم لا قعبان من لبنٍ ... شيباً بماء فعادا بعد أبوالا
قال: والملك متضمخ بالعبير يلصف وبيص المسك في مفرق رأسه، وعليه بردان أخضران مرتدياً بأحدهما متزراً بالآخر، سيفه بين يديه وعن يمينه وشماله الملوك والمقاول، فأخبر بمكانهم، فأذن لهم، فدخلوا عليه، ودنا منه عبد المطلب، فاستأذنه في الكلام، فقال: إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذنا لك.
فقال: إن الله عز وجل أحلك أيها الملك محلا رفيعاً شامخاً باذخاً وأنبتك نباتاً، طابت أرومته، وعظمت جرثومته، وثبت أصله، وبسق فرعه، في أطيب موضع، وأكرم معدن. وأنت أبيت اللعن ملك العرب الذي له ينقاد، وعمودها الذي عليه العماد، ومعقلها الذي يلجأ إليه العباد، سلفك خبر سلف، وأنت لنا منهم خير خلف، فلن يهلك ذكر من أنت خلفه، ولن يخمل ذكر من أنت سلفه. نحن أهل حرم الله وسدنة بيته، أشخصنا إليك الذي أبهجنا من كشفك الكرب الذي فدحنا، فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة. قال له الملك: من أنت أيها المتكلم؟ قال: أنا عبد المطلب بن هاشم، قال ابن أختنا؟ قال: نعم. قال: ادنه ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال: مرحباً وأهلاً، وأرسلها