قال حميد بن هلال: أوخي بين سلمان وأبي الدرداء، فسكن أبو الدرداء بالشام، وسكن سلمان الكوفة، قال: فكتب أبو الدرداء إلى سلمان: سلام عليك، أما بعد فإن الله رزقني بعدك مالاً وولداً، ونزلت الأرض المقدسة، قال: فكتب إليه سلمان: سلام عليك، أما بعد، فإنك كتبت إليّ أنّ الله عزّ وجلّ رزقك مالاً وولداً، واعلم أن الخير ليس بكثرة المال والولد، ولكن الخير أن يعظم حلمك، أن ينفعك علمك، وكتبت إليّ أنك نزلت الأرض المقدسة وأن الأرض لا تعمل لأحد، اعمل كأنك ترى واعدد نفسك من الموتى.
قال يحيى بن سعد:
كتب أبو الدرداء إلى سلمان الفارسي أن هلم إلى الأرض المقدسة، فكتب إليه سلمان: إن الأرض لا تقدّس أحداً، وإنما يقدس الإنسان عمله، وقد بلغني أنك جعلت طبيباً، فإن كنت تبرئ فنعماً لك، وإن كنت متطبباً فاحذر أن تقتل إنساناً، فتدخل النار، فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه نظر إليهما وقال: متطبب والله، ارجعا إليّ أعيدا علي قصتكما.
قال أبو البختري: جاء الأشعث بن قيس وجرير بن عبد الله البجلي على سلمان، فدخلا عليه في خصّ في ناحية المدائن، فأتياه فسلما عليه، وحيياه، ثم قالا: أنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا أدري، فارتابا، وقالا: لعله ليس الذي نريد، فقال لهما: أنا صاحبكما الذي تريدان، قد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجالسته، وإنما صاحبه من دخل معه الجنة فما جاء بكما؟ قالا: جئناك من عند أخ لك بالشام قال: من هو؟ قالا: أبو الدرداء، قال: فأين هديته التي أرسل بها معكما؟ قالا: ما أرسل معنا بهدية، قال: اتقيا الله، وأدّيا الأمانة، ما جاءني أحد من عنده إلا جاء معه بهدية، قالا: لا ترفع علينا هذا، إن لنا أموالاً فاحتكم فيها، قال: ما أريد أموالكما ولكن أريد الهدية التي بعث بها معكما قالا: والله ما بعث معنا بشيء إلا أنه قال: إن فيكم رجل كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خلا به لم يبغ أحداً غيره، فإذا أتيتماه فأقرئاه مني السلام، قال: فأي هدية كنت أريد منكما غير هذه؟ وأي هدية أفضل من السلام، تحية من عند الله مباركة طيبة؟