وعن هشام: أن دهقانا كلم عبد الله بن جعفر أن يكلم علي بن أبي طالب في حاجة، فكلمه فقضاها: فأهدى إليه الدهقان أربعين ألفاً فردها عليه وقال: إنا لا نأخذ على المعروف ثمناً.
حج معاوية فنزل في دار مروان بالمدينة، فطال عليه النهار يوماً، وفرغ من القائلة فقال: يا غلام، انظر من بالباب، هل ترى الحسن بن علي أو الحسين أو عبد الله بن جعفر أو عبد الله بن أبي أحمد بن جحش، فأدخله علي، فخرج الغلام فلم ير منهم أحداً، وسأل عنهم فأخبر أنهم مجتمعون عند عبد الله بن جعفر يتغدون عنده، فأتاه فأخبره فقال: والله ما أنا إلا كأحدهم، ولقد كنت أجامعهم في مثل هذا، فقام فأخذ عصاً فتوكأ عليها وقال: سر يا غلام، فخرج بين يديه حتى دق عليهم الباب فقال: هذا يا أمير المؤمنين فدخل فأوسع له عبد الله بن جعفر عن صدر فراشه فجلس فقال: غداءً يا بن جعفر، قال: ما يشتهي أمير المؤمنين من بيتي فليدع به قال: أطعمنا مخاً، قال: يا غلام، هات مخاً. قال: فأتي بقصعة فيها مخ، فأقبل معاوية يأكل، ثم قال عبد الله: يا غلام زدنا مخاً، فزاد، ثم قال: يا غلام مخاً، فزاد. فقال معاوية: إنما كنا نقول: يا غلام زدنا سخيناً، فأما قولك: يا غلام، زدنا مخاً فلم أسمع به قبل اليوم، يا بن جعفر، ما يسعك إلا الكثير، فقال عبد الله: يعين الله على ما ترى يا أمير المؤمنين. قال: فأمر له يومئذ بأربعين ألف دينار، وكان عبد الله بن جعفر قد ذبح ذلك اليوم كذا وكذا من شاة، وأمر بمخهن فنكت له، فوافق ذلك معاوية.
كتب رجل إلى عبد الله بن جعفر رقعة، فجعلها في ثني وسادة التي يتكئ عليها، فقلب عبد الله الوسادة فبصر بالرقعة فقرأها، فردها في موضعها، وجعل مكانها كيساً فيه خمسة آلاف دينار، فجاء الرجل فقال: قلب المرفقة فخذ ما تحتها فأخذ الكيس وخرج وأنشأ يقول:
زاد معروفك عندي عظماً ... أنه عندك مستور حقير
تتناساه كأن لم تأته ... وهو عند الله مشهور كبير
خرج عبد الله بن جعفر إلى حيطان المدينة، فبينا هو كذلك إذ نظر إلى أسود على بعض الحيطان وهو يأكل وبين يديه كلب، وعبد الله بن جعفر واقف على دابته ينظر