قال: فغرس الساج عشرين سنة، وكف عن الدعاء، وكفوا عن الاستهزاء، وكانوا يسخرون منه.
فلما أدرك الشجر، فقطعها وجففها وأنقها، فقال: يا رب، كيف أتخذ هذا البيت؟ قال: اجعله على ثلاث صور؛ رأسه كعرف الديك، وجؤجؤه كجؤجؤ الطير، وذنبه كذنب الديك، واجعلها مطبقة واجعل لها أبواباً في جنبها، وشدها بدسر، يعني مسامير الحديد.
وبعث الله جبريل، فعلمه صنعة السفينة، فكان جبريل الراني ونوح النجار، فيا له من ران ويا له من نجار، فكانوا يمرون به، ويسخرون به، ويقولون: ألا ترون إلى هذا المجنون؟! يتخذ بيتاً يسير به على الماء! وأين الماء! ويضحكون به، وذلك قوله:" وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه " فأوحى الله إليه أن عجل صنعة السفينة، فقد اشتد غضبي على من عصاني.
فانطلق فاستأجر نجارين يعملون معه، وسام ويافث وحام معه ينحتون السفينة، فجعل السفينة ست مئة ذراع طولها، وستين ذراعاً في الأرض، وعرضها ثلاث مئة ذراع وثلاثون، وطولها في السماء ثلاثة وثلاثون ذراعاً، وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه، ولم يكن في الأرض قار، ففجر الله له عين القار حيث ينحت السفينة، يغلي غلياناً حتى طلاه.
فلما فرغ منها جعل له ثلاثة أبواب في جنبها، وأطبقها، فحمل فيها السباع والدواب، فألقى الله على الأسد الحمى، وشغله بنفسه عن الدواب ألا يتحرك، وجعل الوحش والطير في الباب الثاني ثم أطبق عليها، وجعل ولد آدم أربعين رجلاً