آخر، فغسلت يدي وتركت ذلك الدن وذلك القدح وذلك المنديل، ونقرت دناً آخر، فنزلت منه رطلاً في قدح نظيف، وأخذت منديلاً جديداً، فسقيته، فشرب، وقال: اسقني رطلاً آخر، فسقيته في غير ذلك القدح، وأعطيته غير ذلك المنديل، فشرب وقال: بارك الله عليك، فما أطيب شرابك وأنظفك! فما كان رأيي أشرب أكثر من ثلاثة، فلما رأيت نظافتك دعتني نفسي إلى شرب آخر، فهاته، فناولته إياه على تلك السبيل. ثم قال: لولا أسباب تمنع من بيتك لكان حبيباً إلي أن أجبس فيه بقية يومي هذا.
وولى راجعاً في الطريق الذي بدا منه، وقال: اعذرنا، ورمى إلي أحد الرجلين اللذين معه بشيء، فإذا صرة، فيها خمس مئة دينار، وإذا هو الوليد بن يزيد، أقبل من دمشق حتى شرب من شراب الحيرة، وانصرف.
قال المنصف: وللوليد أشعار، ضمنها ما فجر به من خرقه وسفاهته وحمقه وخسارته، وهزله ومجونه، وسخافة دينه وركاكته، وما صرح به من الإلحاد في القرآن والكفر بمن أنزل عليه، وذكر أنه عارضها بشعره.
قال صالح بن سليمان:
أراد الوليد بن يزيد الحج، وقال: أشرب فوق ظهر الكعبة، فهم قوم أن يفتكوا به إذا خرج.
فجاؤوا إلى خالد بن عبد الله القسري، فسألوه أن يكون معهم، فأبى، فقالوا له: فاكتم علينا، فقال: أما هذا فنعم.
فجاء إلى الوليد، فقال له: لا تخرج، فإني أخاف عليك، قال: ومن هؤلاء الذين تخافهم علي؟ قال: لا أخبرك بهم، قال: إن لم تخبرني بهم بعثت بك إلى يوسف، قال: وإن بعثت بي إلى يوسف.