كَرِهَهُ؛ لَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرْفُقَ بِهِمْ فِيمَا يَكْرَهُونَهُ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إلَّا زَانَهُ، وَلَا كَانَ الْعُنْفُ فِي شَيْءٍ إلَّا شَانَهُ» . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ» . وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ -رضي الله عنه- يقول: والله إني لأريد أَنْ أُخْرِجَ لَهُمْ الْمُرَّةَ مِنْ الْحَقِّ، فَأَخَافُ أَنْ يَنْفِرُوا عَنْهَا، فَأَصْبِرُ حَتَّى تَجِيءَ الْحُلْوَةُ مِنْ الدُّنْيَا، فَأُخْرِجُهَا مَعَهَا، فَإِذَا نَفَرُوا لِهَذِهِ، سَكَنُوا لِهَذِهِ. وَهَكَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ لَمْ يَرُدَّهُ إلَّا بِهَا، أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنْ الْقَوْلِ. «وَسَأَلَهُ مَرَّةً بَعْضُ أَقَارِبِهِ أَنْ يُوَلِّيَهُ عَلَى الصَّدَقَاتِ، وَيَرْزُقَهُ مِنْهَا، فَقَالَ: " إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» . فَمَنَعَهُمْ إيَّاهَا وَعَوَّضَهُمْ مِنْ الْفَيْءِ. وَتَحَاكَمَ إلَيْهِ عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَجَعْفَرٌ، فِي ابْنَةِ حَمْزَةَ، فَلَمْ يَقْضِ بِهَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ: وَلَكِنْ قَضَى بِهَا لِخَالَتِهَا، ثُمَّ إنَّهُ طَيَّبَ قَلْبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكَلِمَةٍ حَسَنَةٍ، «فَقَالَ لِعَلِيٍّ: " أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ» . «وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: " أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي» . «وَقَالَ لِزَيْدٍ: " أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا» . فَهَكَذَا يَنْبَغِي لِوَلِيِّ الْأَمْرِ فِي قَسْمِهِ وَحُكْمِهِ، فَإِنَّ النَّاسَ دَائِمًا يَسْأَلُونَ ولي الأمر مالا يصلح بنقله من الولايات، والأموال والمنافع والأجور، وَالشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَيُعَوِّضُهُمْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى إنْ أَمْكَنَ، أَوْ يَرُدُّهُمْ بِمَيْسُورٍ مِنْ الْقَوْلِ، مَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْإِغْلَاظِ؛ فَإِنَّ رَدَّ السَّائِلِ يُؤْلِمُهُ، خُصُوصًا مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَأْلِيفِهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى: ١٠] (سورة الضحى: الآية ١٠) . وقال الله تَعَالَى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: ٢٦] (سورة الإسراء: الآية ٢٦) إلَى قَوْلِهِ: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} [الإسراء: ٢٨] (سورة الإسراء: الآية ٢٨) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute