الْخَلْقِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: ٤] (سورة القصص: الآية ٤) . وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذَرَّةٌ مِنْ إيمَانٍ ". فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ الله: إنِّي أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي حَسَنًا، وَنَعْلِي حَسَنًا، أَفَمِنْ الْكِبْرِ ذَاكَ؟ قَالَ: " لَا: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ» فَبَطَرُ الْحَقِّ دَفْعُهُ وَجَحْدُهُ. وَغَمْطُ النَّاسِ احْتِقَارُهُمْ وَازْدِرَاؤُهُمْ، وَهَذَا حَالُ مَنْ يُرِيدُ الْعُلُوَّ وَالْفَسَادَ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْفَسَادَ، بلا علو، كالسراق والمجرمين من سفلة الناس.
والقسم الثالث: يريدون الْعُلُوَّ بِلَا فَسَادٍ، كَاَلَّذِينَ عِنْدَهُمْ دِينٌ يُرِيدُونَ أَنْ يَعْلُوَا بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ النَّاسِ.
وأما الْقِسْمُ الرَّابِعُ: فَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا، مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ يَكُونُونَ أَعْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ١٣٩] (سورة آل عمران: الآية ١٣٩) . وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٥] (سورة محمد: الآية ٣٥) . وقال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: ٨] (سورة المنافقون: من الآية ٨) .
فَكَمْ مِمَّنْ يُرِيدُ الْعُلُوَّ، وَلَا يَزِيدُهُ ذَلِكَ إلَّا سُفُولًا، وَكَمْ مِمَّنْ جُعِلَ مِنْ الْأَعْلَيْنَ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الْعُلُوَّ وَلَا الْفَسَادَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ إرَادَةَ الْعُلُوِّ عَلَى الْخَلْقِ ظُلْمٌ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute