وَالْآخَرُ أَوْرَعَ؛ قُدِّمَ -فِيمَا قَدْ يَظْهَرُ حُكْمُهُ، وَيُخَافُ فِيهِ الْهَوَى- الْأَوْرَعُ؛ وَفِيمَا يَدُقُّ حُكْمُهُ، وَيُخَافُ فِيهِ الِاشْتِبَاهُ: الْأَعْلَمُ. فَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إن الله يحب البصر النافذ عند وررد الشبهات، ويحب العقل الكامل عِنْدَ حُلُولِ الشَّهَوَاتِ» . وَيُقَدَّمَانِ عَلَى الْأَكْفَأِ، إنْ كَانَ الْقَاضِي مُؤَيَّدًا تَأْيِيدًا تَامًّا، مِنْ جِهَةِ وَالِي الْحَرْبِ، أَوْ الْعَامَّةِ. وَيُقَدَّمُ الْأَكْفَأُ إنْ كان القضاء يحتاج إِلى قوة وإعانة للقاضي، أكثر من حاجته إلى مزيد العلم والورع؛ فَإِنَّ الْقَاضِيَ الْمُطْلَقَ يَحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا عَادِلًا قَادِرًا. بَلْ وَكَذَلِكَ كُلُّ وَالٍ لِلْمُسْلِمِينَ، فَأَيُّ صِفَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ نَقَصَتْ، ظَهَرَ الْخَلَلُ بِسَبَبِهِ، وَالْكَفَاءَةُ: إمَّا بِقَهْرٍ وَرَهْبَةٍ؛ وَإِمَّا بِإِحْسَانٍ وَرَغْبَةٍ؛ وَفِي الْحَقِيقَةِ فَلَا بُدَّ مِنْهُمَا. وَسُئِلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُوَلَّى الْقَضَاءَ؛ إلَّا عَالِمٌ فَاسِقٌ، أَوْ جَاهِلُ دِينٍ؛ فَأَيُّهُمَا يُقَدَّمُ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى الدِّينِ أَكْثَرَ لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ، قُدِّمَ الدِّينُ. وإن كانت الحاجة إلى العلم أَكْثَرَ لِخَفَاءِ الْحُكُومَاتِ قُدِّمَ الْعَالِمُ. وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يُقَدِّمُونَ ذَا الدِّينِ، فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمُتَوَلِّي، مِنْ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ: هَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا، أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُقَلِّدًا، أَوْ الْوَاجِبُ تَوْلِيَةُ الْأَمْثَلِ فَالْأَمْثَلِ، كَيْفَمَا تَيَسَّرَ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. وَبُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الموضع. ومع أنه يجوز تولية كير الْأَهْلِ لِلضَّرُورَةِ، إذَا كَانَ أَصْلَحَ الْمَوْجُودِ فَيَجِبُ مَعَ ذَلِكَ السَّعْيُ فِي إصْلَاحِ الْأَحْوَالِ، حَتَّى يَكْمُلَ فِي النَّاسِ مَا لَا بُدَّ لَهُمْ منه،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute