وَكَذَلِكَ الْفَلَّاحُونَ وَغَيْرُهُمْ، وَكَذَلِكَ شَارِبُ الْخَمْرِ إذَا أخذ فدفع بعض مَالَهُ: كَيْفَ يَطْمَعُ الْخَمَّارُونَ، فَيَرْجُونَ إذَا أَمْسَكُوا أن يفتدوا ببعض أموالهم، فيأخذها ذلك الوالي سحتاً، لا يبارك فيها، والفساد قائم. وكذلك ذوو الجاه، إذا حموا أَحَدًا أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، مِثْلَ أَنْ يَرْتَكِبَ بَعْضُ الْفَلَّاحِينَ جَرِيمَةً، ثُمَّ يَأْوِي إلَى قرية نائب السلطان أو أميره فَيُحْمَى عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الَّذِي حَمَاهُ، مِمَّنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا» فَكُلُّ مَنْ آوَى مُحْدِثًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُحْدِثِينَ، فَقَدْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: «إنَّ مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ» . فَكَيْفَ بِمَنْ مَنَعَ الْحُدُودَ بِقُدْرَتِهِ وَيَدِهِ، وَاعْتَاضَ عَنْ الْمُجْرِمِينَ بِسُحْتٍ. مِنْ الْمَالِ يَأْخُذُهُ، لَا سِيَّمَا الْحُدُودَ عَلَى سُكَّانِ الْبَرِّ؛ فَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ فَسَادِهِمْ حِمَايَةَ الْمُعْتَدِينَ مِنْهُمْ بِجَاهٍ أَوْ مَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ لِبَيْتِ الْمَالِ أَوْ لِلْوَالِي: سِرًّا أَوْ عَلَانِيَةً، فَذَلِكَ جَمِيعُهُ مُحَرَّمٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مِثْلُ تَضْمِينِ الْحَانَاتِ وَالْخَمْرِ، فَإِنَّ مَنْ مَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أَعَانَ أَحَدًا عَلَيْهِ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ، فَهُوَ مِنْ جِنْسٍ واحد. والمال المأخوذ على هذا يشبه مَا يُؤْخَذُ مِنْ مَهْرِ الْبَغْيِ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ، وَثَمَنِ الْكَلْبِ، وَأُجْرَةِ الْمُتَوَسِّطِ فِي الْحَرَامِ: الَّذِي يُسَمَّى الْقَوَّادَ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ الْبَغْيِ خَبِيثٌ، وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ خَبِيثٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَمَهْرُ الْبَغْيِ الَّذِي يُسَمَّى حُدُورَ الْقِحَابِ. وَفِي مَعْنَاهُ مَا يعطاه الخنثون الصِّبْيَانُ مِنْ الْمَمَالِيكِ أَوْ الْأَحْرَارِ عَلَى الْفُجُورِ بهم، وحلوان
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute