عنها نَفْلًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنَفِّلُ السَّرِيَّةَ إذَا كَانُوا فِي بِدَايَتِهِمْ الربع بعد الخمس، فإذا رجعوا إلى أوطانهم وتسرت سرية نفلهم الثلث بَعْدَ الْخُمُسِ، وَكَذَلِكَ لَوْ غَنِمَ الْجَيْشُ غَنِيمَةً شَارَكَتْهُ السَّرِيَّةُ، لِأَنَّهَا فِي مَصْلَحَةِ الْجَيْشِ، كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ يَوْمَ بَدْرٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ بَعَثَهُمَا في مصلحة الجيش، فأعوان الطائفة الممتنعة، وَأَنْصَارُهَا مِنْهَا، فِيمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ. وَهَكَذَا الْمُقْتَتِلُونَ عَلَى بَاطِلٍ لَا تَأْوِيلَ فِيهِ؛ مِثْلُ الْمُقْتَتِلِينَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَدَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ؛ كَقَيْسٍ وَيَمَنٍ وَنَحْوِهِمَا؛ هُمَا ظَالِمَتَانِ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إنَّهُ أراد قتل صاحبه» . أخرجاه في الصحيحين. ولضمن كل طائفة ما أتلفته للأخرى مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ. وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ عَيْنُ القاتل؛ لأن الطائفة الواحدة الممتنع بعضها ببعض كالشخص الواحد، وفي ذلك قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨] (سورة البقرة: من الآية ١٧٨) . وَأَمَّا إذَا أَخَذُوا الْمَالَ فَقَطْ، وَلَمْ يَقْتُلُوا -كَمَا قَدْ يَفْعَلُهُ الْأَعْرَابُ كَثِيرًا- فَإِنَّهُ يُقْطَعُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ يَدُهُ الْيُمْنَى، وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى، عند أكثر العلماء: كأبي حنيفة، وأحمد، وَغَيْرِهِمْ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} [المائدة: ٣٣] (سورة المائدة: من الآية ٣٣) . تُقْطَعُ الْيَدُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَالرِّجْلُ الَّتِي يمشي عليها، وتحسم يده ورجله بِالزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ وَنَحْوِهِ؛ لِيَنْحَسِمَ الدَّمُ فَلَا يَخْرُجُ فَيُفْضِي إلَى تَلَفِهِ، وَكَذَلِكَ تُحْسَمُ يَدُ السَّارِقِ بالزيت. وهذا الفعل قد يَكُونُ أَزَجَرَ مِنْ الْقَتْلِ، فَإِنَّ الْأَعْرَابَ، وَفَسَقَةَ الْجُنْدِ وَغَيْرَهُمْ إذَا رَأَوْا دَائِمًا مَنْ هُوَ بَيْنَهُمْ مَقْطُوعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، ذَكَرُوا بِذَلِكَ جُرْمَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute