للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مَالِهِ. وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لَا سِيَّمَا هَؤُلَاءِ المتحزبون (١) الَّذِينَ تُسَمِّيهِمْ الْعَامَّةُ فِي الشَّامِ وَمِصْرَ الْمَنْسَرَ (٢) وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ بِبَغْدَادَ الْعَيَّارِينَ؛ وَلَوْ حَارَبُوا بِالْعِصِيِّ وَالْحِجَارَةِ الْمَقْذُوفَةِ بِالْأَيْدِي، أَوْ الْمَقَالِيعِ وَنَحْوِهَا: فَهُمْ مُحَارِبُونَ أَيْضًا. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ لَا مُحَارَبَةَ إلَّا بِالْمُحَدَّدِ. وَحَكَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ: عَلَى أَنَّ الْمُحَارَبَةَ تَكُونُ بِالْمُحَدَّدِ وَالْمُثْقَلِ. وَسَوَاءٌ كان فيه خلاف أو لَمْ يَكُنْ: فَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ: أَنَّ مَنْ قَاتَلَ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ بِأَيِّ نوع كان من أنواع القتالة فَهُوَ مُحَارِبٌ قَاطِعٌ، كَمَا أَنَّ مَنْ قَاتَلَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْكُفَّارِ بِأَيِّ نَوْعٍ كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْقِتَالِ فَهُوَ حَرْبِيٌّ، وَمَنْ قَاتَلَ الْكُفَّارَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِسَيْفٍ، أَوْ رُمْحٍ، أَوْ سَهْمٍ، أَوْ حِجَارَةٍ، أَوْ عِصِيٍّ، فَهُوَ مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ يَقْتُلُ النُّفُوسَ سِرًّا، لِأَخْذِ الْمَالِ؛ مِثْلَ الَّذِي يَجْلِسُ فِي خَانٍ يُكْرِيهِ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، فَإِذَا انْفَرَدَ بِقَوْمٍ مِنْهُمْ قَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ. أَوْ يَدْعُو إلَى منزله من يستأجره لخياطة، أو طب أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَيَقْتُلُهُ، وَيَأْخُذُ مَالَهُ، وَهَذَا يُسَمَّى الْقَتْلَ غِيلَةً، وَيُسَمِّيهِمْ بَعْضُ الْعَامَّةِ الْمُعَرِّجِينَ (٣) فإذا كان لأخذ المال، فهل هم كالمحاربين، أو يجرى عليهم حُكْمُ الْقَوَدِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْفُقَهَاءِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ كَالْمُحَارِبِينَ، لِأَنَّ الْقَتْلَ بِالْحِيلَةِ كَالْقَتْلِ مُكَابَرَةٍ، كِلَاهُمَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ؛ بَلْ قَدْ يَكُونُ ضَرَرُ هَذَا أَشَدَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي بِهِ.


(١) نسخة المحترفون.
(٢) نسخة المفسد.
(٣) نسخة المعرضين.

<<  <   >  >>