نعلم عين الآخذ. وَكَذَلِكَ لَوْ عُلِمَ عَيْنُهُ؛ فَإِنَّ الرِّدْءَ وَالْمُبَاشِرَ سَوَاءٌ كَمَا قُلْنَاهُ، لَكِنْ إذَا عُرِفَ عَيْنُهُ كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَيُرَدُّ مَا يُؤْخَذُ منهم عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ كَانَ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ: مِنْ رِزْقِ الطَّائِفَةِ الْمُقَاتِلَةِ لَهُمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْ قِتَالِهِمْ التَّمَكُّنُ مِنْهُمْ لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَمَنْعُهُمْ مِنْ الْفَسَادِ، فَإِذَا جُرِحَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ جَرْحًا مُثْخَنًا، لَمْ يُجْهَزْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ. وَإِذَا هَرَبَ وَكَفَانَا شَرَّهُ لَمْ نَتْبَعْهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حَدٌّ أَوْ نَخَافَ عَاقِبَتَهُ، وَمَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ، أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ الَّذِي يُقَامُ عَلَى غَيْرِهِ. وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يُشَدِّدُ فِيهِمْ حَتَّى يَرَى غَنِيمَةَ أَمْوَالِهِمْ وَتَخْمِيسَهَا؛ وَأَكْثَرُهُمْ يَأْبُونَ ذَلِكَ. فَأَمَّا إذَا تَحَيَّزُوا إلَى مَمْلَكَةِ طَائِفَةٍ خَارِجَةٍ عَنْ شريعة الإسلام، وأعانوهم على المسلمين. قوتلوا كقتالهم. وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَا يَقْطَعُ الطَّرِيقَ، وَلَكِنَّهُ يأخذ خفارة أو ضريبة مِنْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ عَلَى الرُّءُوسِ، وَالدَّوَابِّ، وَالْأَحْمَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا مَكَّاسٌ، عَلَيْهِ عُقُوبَةُ الْمَكَّاسِينَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ قَتْلِهِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ؛ فَإِنَّ الطَّرِيقَ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ، مَعَ أَنَّهُ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَامِدِيَّةِ: «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ، لَغُفِرَ لَهُ» وَيَجُوزُ للمظلومين -الَّذِينَ تُرَادُ أَمْوَالُهُمْ- قِتَالُ الْمُحَارِبِينَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَا يَجِبُ أَنْ يَبْذُلَ لَهُمْ مِنْ الْمَالِ لَا قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ، إذَا أَمْكَنَ قِتَالُهُمْ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ حُرْمَتِهِ فهو شهيد» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute