للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وَلَوْ كَانَ رَجُلًا يَعْرِفُ مَكَانَ الْمَالِ الْمَطْلُوبِ بِحَقٍّ، أَوْ الرَّجُلَ الْمَطْلُوبَ بِحَقٍّ، وَهُوَ الَّذِي يمنعه، فتنة يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعْلَامُ بِهِ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ كِتْمَانُهُ. فَإِنَّ هَذَا مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَذَلِكَ وَاجِبٌ؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ النَّفْسُ أَوْ الْمَالُ مَطْلُوبًا بِبَاطِلٍ، فإنه لا يحل الْإِعْلَامُ بِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ التَّعَاوُنِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ؛ بَلْ يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْهُ، لِأَنَّ نَصْرَ الْمَظْلُومِ وَاجِبٌ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اُنْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ مَظْلُومًا. فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ، فَذَلِكَ نَصْرُكَ إيَّاهُ» . وَرَوَى مُسْلِمٌ نَحْوَهُ عَنْ جَابِرٍ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: «أَمَرَنَا رسول الله ولا بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار المقسم، وإجابة الدعوة ورد السلام، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ، وَعَنْ الشُّرْبِ بِالْفِضَّةِ، وَعَنْ الْمَيَاثِرِ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالْقَسِّيِّ وَالدِّيبَاجِ وَالْإِسْتَبْرَقِ» . فَإِنْ امْتَنَعَ هَذَا الْعَالِمُ بِهِ مِنْ الْإِعْلَامِ بِمَكَانِهِ جَازَتْ عُقُوبَتُهُ بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ، حَتَّى يُخْبِرَ بِهِ، لِأَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ حَقٍّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ. فَعُوقِبَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا تَجُوزُ عُقُوبَتُهُ عَلَى ذَلِكَ، إلَّا إذَا عُرِفَ أَنَّهُ عَالِمٌ بِهِ. وَهَذَا مطرد فيما تَتَوَلَّاهُ الْوُلَاةُ وَالْقُضَاةُ وَغَيْرُهُمْ، فِي كُلِّ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ وَاجِبٍ، مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وليس هذا بمطالبة لِلرَّجُلِ بِحَقٍّ وَجَبَ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا عُقُوبَةً عَلَى جِنَايَةِ غَيْرِهِ، حَتَّى يَدْخُلَ فِي قَوْله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ} [الإسراء: ١٥] (سورة الإسراء: من الآية ١٥) . وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ إلَّا عَلَى نَفْسِهِ» . وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُطْلَبَ بِمَالٍ قَدْ وَجَبَ عَلَى غَيْرِهِ،

<<  <   >  >>