عن الشرور والمفاسد، ومصلحة لهم، فإذا قاوم ذلك مصلحة أعظم - وهو بقاء النفس - قدمت هذه على تلك رحمة من الله وإحسانا.
وليست الأدوية من هذا الباب، فإن الدواء لا يدخل في باب الضرورات، فإن الله تعالى يشفي المبتلى بأسباب متنوعة، لا تتعين في الدواء. وإن كان الدواء يغلب على الظن الشفاء به، فإنه لا يحل التداوي بالمحرمات، كالخمر وألبان الحمر الأهلية، وأصناف المحرمات، بخلاف المضطر إلى أكل الميتة، فإنه يتيقن أنه إذا لم يأكل منها يموت.
الأصل الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَائْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وهذا أصل كبير، دل عليه أيضا قوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن: ١٦]
فأوامر الشريعة كلها معلقة بقدرة العبد واستطاعته. فإذا لم يقدر على واجب من الواجبات بالكلية، سقط عنه وجوبه. وإذا قدر على بعضه - وذلك البعض عبادة - وجب ما يقدر عليه منه، وسقط عنه ما يعجز عنه.
ويدخل في هذا من مسائل الفقه والأحكام ما لا يعد ولا يحصى. فيصلي المريض قائما، فإن لم يستطع صلى قاعدا، فإن لم يستطع صلى على جنبه، فإن لم يستطع الإيماء برأسه، أومأ بطرفه. ويصوم العبد ما دام قادرا عليه. فإن أعجزه مرض لا يرجى زواله، أطعم عنه كل يوم مسكينا، وإن كان مرضا يرجى زواله، أفطر، وقضى عدته من أيام أخر.
ومن ذلك من عجز عن سترة الصلاة الواجبة، أو عن الاستقبال أو توقي النجاسة: سقط عنه ما عجز عنه. وكذلك بقية شروط الصلاة وأركانها، وشروط الطهارة، ومن تعذرت عليه الطهارة بالماء للعدم، أو للضرر في جميع