للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رُبَّمَا تَغَيَّرَ عَلَيْهِ، وكَانَ الشَّيْخُ العِمَادُ مَنْ صَاحَبَهُ لَا يَرَى مِنْهُ شَيْئًا يَكْرَهُهُ قَطُّ، كُلَّمَا طَالَتْ صُحْبَتُهُ ازْدَادَ بِشْرُهُ، وَرَأَى مِنْهُ مَا يَسُرُّهُ، وَهَذَا شَيءٌ عَظِيْمٌ، وَلَيْسَ يَكُوْنُ كَرَامَةً أَعْظَمَ مِنْ هَذَا.

قَالَ الضِّيَاءُ: وَلَعَلَّهُ مَا قَعَدَ عِنْدَهُ أَحَدٌ إِلَّا حَصَلَ لَهُ مَنْفَعَةٌ فِي العِلْمِ وَالزُّهْدِ، أَوِ اقْتِبَاسِ شَيْءٍ مِنْ أَخْلَاقِهِ أَوْ أَوْرَادِهِ، وَغَيْرِ ذلِكَ، وَكَانَ يَذُمُّ نَفْسَهُ ذَمًّا كَثِيْرًا، وَيَحْقِرُهَا وَيَقُوْلُ: أَيْشٍ يَجِيْءُ مِنِّي أَنَا؟ وَكَانَ كَثِيْرَ التَّوَاضُعِ.

سَمِعْتُ الشَّيْخَ مُوَفَّقَ الدِّيْنِ قَالَ: مَا رَأَيْتُ مَنِ اجْتَمَعَ فِيْهِ مِن خِلَالِ كَانَتْ فِي الشَّيْخِ العِمَادِ كَانَ أَكْثَرَ ذَمًّا لِنَفْسِهِ مِنْهُ، وَلَقَدْ حَضَرَتْ عِنْدَهُ مَرَّةً، وَقَدْ أَخَذَتْهُ الرِّيْحُ، وَكَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الكَلَامِ فَوَقَفْتُ، فَلَمَّا قَدَرَ عَلَى الكَلَامِ شَرَعَ فِي ذَمِّ نَفْسِهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ فَسَادَ قَلْبِي، وَجَعَلَ يَنُوْحُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَا كَذَا، أَنَا كَذَا حَتَّى أَبْكَانِي.

وَسَمِعْتُ الإِمَامَ أَبَا عَبْدِ اللهِ يُوسُفَ بْنَ عَبْدِ المُنْعِمِ بْنِ نِعْمَةَ المَقْدِسِيَّ (١) يَقُولُ: كُنْتُ أَكْتُبُ طَبَقَاتِ السَّمَاعِ علَى الشَّيْخِ العِمَادِ، فَكنْتُ أَكْتُبُ: الشَّيْخُ، الإمَامُ، العَالِمُ، الزَّاهِدُ، الوَرِعُ، فَخَاصَمَنِي عَلَى ذلِكَ خُصُوْمَةً كَثِيْرَةً. ثُمَّ ذَكَرَ الضِّيَاءُ مِنْ كَرَمِهِ وَحُسْنِ عِشْرَتِهِ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ كَانَتْ تَكُونُ لَهُ الحَاجَةُ إِلَيْهِ فَيَمْضِيَ إِلَى بَيْتِهِ فَيُقِيْمَ عِنْدَهُ اليَوْمَ وَاليَوْمَيْنِ، قَالَ: وَمَا رَأَيْتُهُ يَشْكِي مِنْ ذلِكَ شَيْئًا، قَالَ: وَمَا أَظُنُّ أَنِّي دَخَلْتُ عَلَيْهِ قَطُّ، إِلَّا عَرَضَ علَيَّ الطَّعَامَ.

قَالَ: وَلَمْ يَزَلْ هَذَا دَأْبَهُ، مِنْ وَقْتِ مَا عَقَلْنَا، وَكَانَ يَتَفَقَّدُ النَّاسَ، وَيَسْأَلُ


(١) تُوُفِّيَ سَنَةَ (٦٣٨ هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ.